قالوا : ألسنا من ذوي العقول فكيف نعترف بها لو كانت محالا؟ قلنا : أليس الرومانيون من ذوي العقول مثلكم وفي المقدار أكثر منكم إلى هذا الحين ، فضلا عن سالف الزمان ، فكيف اعترفوا وأجمعوا على ما هو غير صحيح عندكم ، ويشهد ببطلانه الحسّ أيضا. وهو باطل في نفس الأمر أيضا بوجوه.
الأول : ان الكنيسة الرومانية تزعم أن الخبز وحده يستحيل جسد المسيح ودمه ويصير مسيحا كاملا. فأقول : إذا استحال مسيحا كاملا حيّا بلاهوته وناسوته الذي أخذه من مريم عليهماالسلام ، فلا بدّ أن يشاهد فيه عوارض الجسم الإنساني ويوجد فيه الجلد والعظام والدم وغيرها من الأعضاء. لكنها لا توجد فيه ، بل جميع عوارض الخبز باقية الآن كما كانت. فإذا نظره أحد أو لمسه أو ذاقه لا يحسّ شيئا غير الخبز ، وإذا حفظه يطرأ عليه الفساد الذي يطرأ على الخبز لا الفساد الذي يطرأ على الجسم الإنساني. فلو ثبتت الاستحالة تكون استحالة المسيح خبزا لا استحالة الخبز مسيحا. فلو قالوا إن المسيح استحال خبزا ، لكان أقلّ بعدا من هذا ، وإن كان هو أيضا باطلا ومصادما للبداهة.
الثاني : إن حضور المسيح بلاهوته في أمكنة متعدّدة في آن واحد ، وإن كان ممكنا في زعمهم ، لكنه باعتبار ناسوته غير ممكن. لأنه بهذا الاعتبار كان مثلنا حتى كان يجوع ويأكل ويشرب وينام ويخاف من اليهود ويفرّ وهلمّ جرّا. فكيف يمكن تعدّده بهذا الاعتبار بالجسم الواحد في أمكنة غير محصورة في آن واحد حقيقة؟ والعجب أنه ما وجد قبل عروجه إلى السماء بهذا الاعتبار في مكانين أيضا ، فضلا عن الأمكنة الغير المتناهية ، وكذا بعد عروجه إلى السماء. فكيف يوجد بعد القرون بعد اختراع هذا الاعتقاد الفاسد بالاعتبار المذكور في أمكنة غير محصورة في آن واحد؟
الثالث : إذا فرضنا أن مليونات من الكهنة في العالم قدّسوا في آن واحد واستحالت تقدمة كلّ من المسيح الذي تولّد من العذراء ، فلا يخلو إما أن يكون كلّ من هؤلاء المسيحيين الحادثين عين الآخر أو غيره والثاني باطل على زعمهم والأول باطل في نفس الأمر ، لأن مادة كل غير مادة الآخر.
الرابع : إذا استحال الخبز مسيحا كاملا تحت يد الكاهن فكسر هذا الكاهن هذا الخبز كسرات كثيرة أو أجزاء صغيرة ، فلا يخلو إما أن يتقطّع المسيح قطعة قطعة على عدد الكسرات والأجزاء ، أو يستحيل كل كسرة وجزء مسيحا كاملا أيضا. فعلى الأول لا يكون المتناول متناول مسيح كامل ، وعلى الثاني من أين جاء هؤلاء المسحاء؟ لأنه ما حصل بالتّقدمة إلّا المسيح الواحد.