التركيب الحقيقي لا بدّ فيه من الافتقار بين الأجزاء ، فإن الحجر الموضوع بجنب الإنسان لا يحصل منهما أحديّة ولا افتقار بين الواجبات ، لأنه من خواصّ الممكنات. فالواجب لا يفتقر إلى الغير ، وكل جزء منفصل عن الآخر وغيره ، وإن كان داخلا في المجموع. فإذا لم يفتقر بعض الأجزاء إلى بعض آخر لم تتألّف منها الذات الأحديّة على أنه يكون الله في الصورة المذكورة مركّبا وكلّ مركّب يفتقر في تحقّقه إلى تحقّق كلّ واحد من أجزائه ، والجزء غير الكل بالبداهة. فكل مركّب مفتقر إلى غيره ، وكل مفتقر إلى غيره ممكن لذاته ، فيلزم أن يكون الله ممكنا لذاته. وهذا باطل.
البرهان الثالث : إذا ثبت الامتياز الحقيقي بين الأقانيم ، فالأمر الذي حصل به هذا الامتياز إما أن يكون من صفات الكمال أو لا يكون. فعلى الشقّ الأول لم يكن جميع صفات الكمال مشتركا فيه بينهم. وهو خلاف ما تقرّر عندهم أنّ كل أقنوم من هذه الأقانيم متّصف بجميع صفات الكمال. وعلى الشقّ الثاني ، فالموصوف به يكون موصوفا بصفة ليست من صفات الكمال ، وهذا نقصان يجب تنزيه الله عنه.
البرهان الرابع : الاتحاد بين الجوهر اللاهوتي والناسوتي إذا كان حقيقيا ، لكان أقنوم الابن محدودا متناهيا. وكل ما كان كذلك كان قبوله للزيادة والنقصان ممكنا. وكلّ ما كان كذلك كان اختصاصه بالمقدار المعيّن لتخصيص مخصّص وتقدير مقدّر. وكل ما كان كذلك فهو محدث. فيلزم أن يكون أقنوم الابن محدّثا ، ويستلزم حدوثه حدوث الله.
البرهان الخامس : لو كانت الأقانيم الثلاثة ممتازة بامتياز حقيقي وجب أن يكون المميز عن الوجوب الذاتي ، لأنه مشترك بينهم. وما به الاشتراك غير ما به الامتياز. فيكون كل واحد منهم مركّبا من جزءين ، وكلّ مركّب ممكن لذاته. فيلزم أن يكون كلّ واحد منهم ممكنا لذاته.
البرهان السادس : مذهب اليعقوبية باطل صريح ، لأنه يستلزم انقلاب القديم بالحادث ، والمجرد بالمادّي. وأما مذهب غيرهم فيقال في إبطاله أن هذا الاتحاد إما بالحلول أو بغيره. فإن كان الأول فهو باطل من وجوه ثلاثة على وفق عدد التثليث : أما أولا : فلأن ذلك الحلول لا يخلو إما أن يكون كحلول ماء الورد في الورد ، والدهن في السمسم ، والنار في الفحم ، وهذا باطل. لأنه إنما يصحّ لو كان أقنوم الابن جسما ، وهم وافقونا على أنه ليس بجسم. وإما أن يكون كحصول اللون في الجسم ، وهذا أيضا باطل ، لأن المعقول من هذه التبعيّة حصول اللون في الحيّز لحصول محله في هذا الحيّز. وهذا أيضا إنما يتصوّر في الأجسام. وإما أن يكون كحصول الصفات الإضافية للذوات ، وهذا أيضا باطل ، لأن المعقول من هذه التبعيّة الاحتياج. فلو ثبت حلول أقنوم الابن بهذا المعنى في شيء كان