الفصل الثالث
في إبطال ألوهيّة المسيح
قد عرفت في الأمر الخامس من المقدمة أن كلام يوحنا مملوء من المجاز قلّما تجد فقرة لا تحتاج إلى التأويل. وقد عرفت في الأمر السادس ، أن الإجمال يوجد كثيرا في أقوال المسيح عليهالسلام ، بحيث لم يفهمها معاصروه ولا تلاميذه في كثير من الأحيان ما لم يفسرها بنفسه. وقد عرفت في الأمر الثاني عشر أن عيسى عليهالسلام ما بيّن ألوهيته إلى العروج ببيان لا يبقى فيه شبهة ويفهم منه صراحة هذا المعنى. فالأقوال التي يتمسك بها المسيحيون غالبا مجملة منقولة عن إنجيل يوحنا وعلى ثلاثة أقسام ، بعضها لا يدلّ بحسب معانيها الحقيقية على مقصودهم ، فاستنباط الألوهية منها مجرّد زعمهم. وهذا الاستنباط والزعم ليسا بمعتمدين ولا جائزين في مقابلة البراهين العقلية القطعية والنصوص العيسوية ، كما عرفت في الفصلين المذكورين. وبعضها أقوال يفهم تفسيرها من الأقوال المسيحية الأخرى ومن بعض مواضع الإنجيل ، ففيها أيضا لا اعتبار لرأيهم. وبعضها أقوال يجب تأويلها عندهم أيضا ، فإذا وجب التأويل فنقول لا بدّ أن يكون هذا التأويل بحيث لا يخالف البراهين والنصوص وأنّى لهم ذلك ، فلا حاجة إلى نقل الكل ، بل أنقل الأكثر ليتضح منه للناظر حال استدلالهم ويقيس الباقي عليه.
الأول : من إطلاق لفظ ابن الله على المسيح عليهالسلام ، أقول هذا الدليل في غاية الضعف بوجهين : أما أولا ، فلأن هذا الإطلاق معارض بإطلاق ابن الإنسان ، كما عرفت ، وبإطلاق ابن داود. فلا بدّ من التطبيق بحيث لا يثبت المخالفة للبراهين العقلية ولا يلزم منه محال. وأما ثانيا ، فلأنه لا يصح أن يكون لفظ الابن بمعناه الحقيقي ، لأن معناه الحقيقي باتفاق لغة أهل العالم من تولد من نطفة الأبوين ، وهذا محال هاهنا. فلا بدّ من الحمل على المعنى المجازي المناسب لشأن المسيح. وقد علم من الإنجيل أن هذا اللفظ في حقه بمعنى