الفصل الأول
في إثبات أن القرآن كلام الله
الأمور التي تدلّ على أن القرآن كلام الله كثيرة أكتفي منها على اثني عشر أمرا على عدد حواري المسيح ، وأترك الباقي. مثل أن يقال أن الخائب المخالف وقت بيان أمر من الأمور الدنيوية والدينية أيضا ، يكون ملحوظا في القرآن ، وأن بيان كل شيء ، ترغيبا كان أو ترهيبا ، رأفة كان أو عتابا ، يكون على درجة الاعتدال لا بالإفراط ولا بالتفريط. وهذان الأمران لا يوجدان في كلام الإنسان لأنه يتكلم في بيان كلّ حال بما يناسب ذلك الحال ، فلا يلاحظ في العتاب حال الذين هم قابلون للرأفة وبالعكس ، ولا يلاحظ عند ذكر الدنيا حال الآخرة وبالعكس ، ويقول في الغضب زائدا على الخطأ وهكذا أمور أخر.
الأمر الأول : كونه في الدرجة العالية من البلاغة التي لم يعهد مثلها في تراكيبهم وتقاصرت عنها درجات بلاغتهم. وهي عبارة عن التعبير باللفظ المعجب عن المعنى المناسب للمقام الذي أورد فيه الكلام بلا زيادة ولا نقصان في البيان والدلالة عليه. وعلى هذا ، كلما ازداد شرف الألفاظ ورونق المعاني ومطابقة الدلالة ، كان الكلام أبلغ. وتدل على كونه في هذه الدرجة وجوه :
أولها : أن فصاحة العرب أكثرها في وصف المشاهدات ، مثل وصف بعير أو فرس أو جارية أو ملك أو ضربة أو طعنة أو وصف حرب أو وصف غارة. وكذا فصاحة العجم ، سواء كانوا شاعرين أو كاتبين ، أكثرها في أمثال هذه الأشياء ، ودائرة الفصاحة والبلاغة فيها متّسعة جدا ، لأن طبائع أكثر الناس تكون مائلة إليها. وظهر من الزمان القديم في كل وقت وفي كل إقليم ـ من شاعر أو كاتب ـ مضمون جديد ونكتة لطيفة في بيان شيء من هذه الأشياء المذكورة ، ويكون المتأخر المتتبع واقفا على تدقيقات المتقدم غالبا. فلو كان الرجل سليم