وأما النوع الثالث (١) ، فلأن مثل هذه الاختلافات يوجد بين كتب العهد العتيق بعضها مع بعض ، وبين الأناجيل بعضها مع بعض ، وبين الإنجيل والعهد العتيق ، كما عرفت في الفصل الثالث من الباب الأول ، ويوجد في النسخ الثلاث للتوراة أعني العبرانية واليونانية والسامرية. وقد حصل لك الاطلاع على بعض الاختلافات أيضا في الباب الثاني ، لكن القسيسين من عادتهم أنهم يغلّطون عوام المسلمين في كثير من الأوقات بهذه الشّبهة. فالأنسب أن أذكر بعض هذه الاختلافات ، ولا أخاف من التطويل اليسير لأنه لا يخلو عن الفائدة المهمة.
الاختلاف الأول : ان الزمان من خلق آدم إلى زمن الطوفان ، باعتبار العبرانية ألف وستمائة وست وخمسون سنة (١٦٥٦) ، وباعتبار اليونانية ألفان ومائتان واثنتان وستون سنة (٢٢٦٢) ، وعلى وفق السامرية ألف وثلاثمائة وسبع سنين (١٣٠٧). الاختلاف الثاني : ان الزمان من الطوفان إلى ولادة إبراهيم عليهالسلام ، باعتبار العبرانية مائتان واثنتان وتسعون سنة (٢٩٢) وباعتبار اليونانية ألف واثنتان وسبعون سنة (١٠٧٢) وباعتبار السامرية تسعمائة واثنتان وأربعون سنة (٩٤٢). الاختلاف الثالث : يوجد في النسخة اليونانية بين ارفخشد وشالح بطن واحد وهو قينان ، ولا يوجد في العبرانية والسامرية ولا في السفر الأول من أخبار الأيام وفي تاريخ يوسيفس. لكن لوقا الإنجيلي اعتمد على اليونانية فزاد قينان في بيان نسب المسيح. فيجب على المسيحيين أن يعتقدوا صحة اليونانية وكون غيرها غلطا لئلا يلزم كذب إنجيلهم. الاختلاف الرابع : إن موضع بناء الهيكل ، أعني المسجد ، باعتبار العبرانية جبل عيبال ، وباعتبار السامرية جبل جرزيم ، وقد عرفت حال هذه الاختلافات في الباب الثاني فلا أطوّل الكلام في توضيحها. الاختلاف الخامس : ان الزمان من خلق آدم إلى ميلاد المسيح باعتبار العبرانية (٤٠٠٤) وباعتبار اليونانية (٥٨٧٢) ، وباعتبار السامرية (٤٧٠٠) ، وفي المجلد الأول من تفسير هنري واسكات : «إن اهيلز أخذ التاريخ بعد تصحيح أغلاط يوسيفس واليونانية ، وعلى تحقيقه من خلق العالم إلى ميلاد المسيح (٥٤١١) ومن الطوفان إلى الميلاد (٣١٥٥)». انتهى. وجارلس روجر في كتابه الذي قابل فيه التراجم الانجليزية نقل خمسة وعشرين قولا من أقوال المؤرخين في بيان المدة التي من خلق العالم إلى ميلاد المسيح وإلى سنة ألف وثمانمائة وسبع وأربعين. ثم اعترف أنه لا يطابق قولان منها ، وأن تميز الصحيح عن الغلط محال. وأنا أنقل ترجمة كلامه وأكتفي على بيانها إلى ميلاد المسيح ، لأن المدة التي بعدها لا اختلاف فيها للمؤرخين فلا حاجة إلى نقل الغاية الأخرى :
__________________
(١) ذكر المؤلّف في جوابه الثاني على الشّبهة الثانية ثلاثة اعتبارات تحول دون طعن الطاعنين في القرآن. وقد فصّل الكلام في اعتبارين ، وهذا هو الاعتبار الثالث.