الحيلة نبذوا القانون المكتوب وجعلوا الروايات اللسانية مبنى دينهم وإيمانهم. كما أن الرومانيين الكاثوليكيين في ملتهم اختاروا هذه الطريقة ، ويفسرون كلام الله على حسب هذه الروايات. وإن كان هذا المعنى الروايتي مخالفا لمواضع كثيرة ووصلت حالتهم في زمان ربنا إلى مرتبة ألزمهم الرب في هذا الأمر بأنهم يبطلون كلام الله لأجل سنتهم ومن عهد الرب ، أفرطوا فيه جدا حتى عظموا هذه الروايات أزيد من المكتوب. وفي كتبهم أن ألفاظ المشايخ أحب من ألفاظ التوراة ، وألفاظ التوراة بعضها جيدة ، وبعضها غير جيدة ، وألفاظ المشايخ كلها جيدة ، وألفاظهم أجود جدا من ألفاظ الأنبياء. ومرادهم بألفاظ المشايخ هذه الروايات اللسانية التي وصلت إليهم بواسطة المشايخ. وأيضا في كتبهم أن القانون المكتوب كالماء ، ومسنا وطالموت الذين رواياتهم مضبوطة فيهما مثل الخمر ذات الأبازير. وأيضا في كتبهم أن القانون المكتوب كالملح ، ومسنا وطالموت مثل الفلفل والأبازير العذبة. ومثلها أقوال أخر يعلم منها أنهم يعظمون الروايات اللسانية أزيد من القانون المكتوب ، ويفهمون كلام الله على ما يفهم شرحه في هذه الروايات. فكان القانون المكتوب عندهم بمنزلة الجسد الميت ، والروايات اللسانية بمنزلة الروح الذي به الحياة. ويقولون في كون هذه الروايات أصلا أن الله أعطى موسى التوراة فأعطاه معاني التوراة أيضا ، وأمر أن يكتب الأول ويحفظ الثاني ويبلغه بالرواية اللسانية فقط. وهكذا تنقل جيلا بعد جيل. ولذلك يطلقون على الأول لفظ القانون المكتوب ، وعلى الثاني لفظ القانون اللساني. والفتاوى التي تكون مطابقة لهذه الروايات يسمونها قوانين موسى التي حصلت على جبل سيناء. ويدّعون كما أن موسى حصل له التوراة في الأربعين يوما التي كانت المكالمة بينه وبين الله على جبل سيناء ، فكذلك حصلت له هذه الروايات اللسانية أيضا ، وجاء بهما موسى من الجبل وبلغهما إلى بني إسرائيل ، بأن طلب هارون في الخيمة بعد ما رجع عن الجبل ، فعلّمه القانون المكتوب أولا ، ثم الروايات اللسانية التي هي معاني القانون المكتوب ، كما وجدهما من الله. وقام هارون بعد ما تعلم وجلس على يمين موسى ، ودخل العازار وايتامار ابنا هارون وتعلما ، كما تعلم أبوهما وقال ، فجلس أحدهما على يسار موسى والآخر على يمين هارون. فدخل المشايخ السبعون وتعلموا القانونين وجلسوا في الخيمة ، ثم تعلم الناس الذين كانوا مشتاقين للتعليم. ثم قام موسى وقرأ هارون ما تعلم وقام ، ثم قرأ العازار وايتامار وقام ، ثم قرأ المشايخ السبعون ما تعلموا على الناس ، فسمع كل من هؤلاء الناس هذا القانون أربع مرات وحفظوا حفظا جيدا. ثم أخبر هؤلاء بعد ما خرج سائر بني إسرائيل فبلغوا القانون المكتوب بواسطة الكتابة وبلغوا معانيها بالرواية إلى الجيل الثاني. وكانت الأحكام في المتن المكتوب ستمائة وثلاثة عشر ، فقسموا القانون بحسبها. ويقولون ان موسى جمع بني إسرائيل كلهم في أول الشهر الحادي عشر من