الله ، ويلوم القرآن على هذه العقيدة في مواضع عديدة ، مثل قوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) [المائدة : ١٧ و ٧٢] ، ومثل قوله : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) [المائدة : ٧٣] ، ومثل قوله : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ) [المائدة : ٧٥] ، فانظروا إلى تبحّره في معرفة قواعد التفسير ، وإلى دقّة نظره كيف بيّن المقصود ، كما كان مراد المصنّف ، وكيف توجّه إلى تسلسل المطالب ، وكيف راعى القول السابق واللّاحق ، وكيف لاحظ كل مقام كان له مناسبة ومطابقة. لكني أتأسف تأسّفا عظيما أن هذا النحرير والمفسّر العديم النظير ما كتب تفسيرا حاويا على أمثال هذه التحقيقات البديعة على العهد العتيق والجديد ليكون تذكرة بين أهل ملّته ، ويظهر لهم من نكات العهدين ما لم يظهر إلى عهده. والحق أنه لو قال مثل هذا المفسر بعد التأمّل الكثير والإمعان البليغ إن مجموع الاثنين والاثنين يكون خمسة فلا أتعجب من دقّة نظره وصائب فكره. فهذا حاله في فهم المقصود. وعلى هذه البضاعة تقريرا وتحريرا وفهما يرجو أن ترجح ترجمته الرديّة وتفسيره الركيك على ترجمة علماء الإسلام وتفسيرهم. هذا هو ثمرة العجب والتكبّر لا غير.
الرابع : إن قوله : (إن روح الله لا يكون أقلّ من الله) مردود. لأن الله تعالى قال في سورة السجدة [٩] في حقّ آدم عليهالسلام : (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) ، وقال في سورة الحجر [٢٩] وسورة ص في حقه أيضا : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ)) ، فأطلق على النفس الناطقة التي كانت لآدم عليهالسلام أنها روحه وروحي. وقال في سورة مريم [١٧] في حقّ جبريل : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) ، والمراد بروحنا هاهنا جبريل. ووقع في الآية الرابعة عشر من الباب السابع والثلاثين من كتاب حزقيال قول الله تعالى في خطاب ألوف من الناس الذين أحياهم بمعجزة حزقيال هكذا : «فأعطي فيكم روحي» فأطلق هاهنا أيضا على النفس الناطقة الإنسانية انها روحي.
فيلزم أن تكون هؤلاء الآلاف آلهة على تحقيق القسّيس بحكم كتاب حزقيال ، ويكون آدم وجبريل عليهماالسلام إلهين بحكم القرآن. فالحقّ أن المراد بالروح في قوله تعالى : (وَرُوحٌ مِنْهُ) النفس الناطقة الإنسانية والمضاف محذوف ، أي ذو روح منه. في الجلالين ، (وَرُوحٌ) أي ذو روح (منه) أضيف إليه تشريفا. وفي البيضاوي (وَرُوحٌ مِنْهُ) وذو روح صدر منه لا بتوسّط ما يجري مجرى الأصل والمادة. انتهى. ولمّا كانت هذه العبارة ملعبة الصبيان ، واطّلع على قبحها القسّيس النبيل باعتراض بعض الفضلاء ، حرّفها في النسخة الجديدة المطبوعة سنة ١٨٥٠ فأتى بعبارة مموّهة بإرادة أخرى نقلتها ورددت عليها في كتابي إزالة الشكوك. فمن شاء فليرجع إليها. وأذكر هاهنا حكايتين مناسبتين لحكاية القسّيس.