الثاني فلأن الله تعالى قال في كلامه المحكم (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [البقرة : ٢٥٣]. وقال أهل التفسير : أراد بقوله (ورفع بعضهم درجات) محمدا صلىاللهعليهوسلم ، أي رفعه على سائر الأنبياء من وجوه متعددة. وقد أشبع الكلام في تفسير هذه الآية الإمام الهمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير. وقال صلىاللهعليهوسلم : «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر». أي لا أقول ذلك فخرا لنفسي ، بل تحدثا بنعمة ربي. وأما الثالث فغير محتاج إلى البيان حتى أقر بفصاحته الموافق والمخالف. وقال الرواة في وصف كلامه أنه كان أصدق الناس لهجة ، فكان من الفصاحة بالمحل الأفضل والموضع الأكمل. وأما الرابع فلأن الله تعالى قال : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) [الأحزاب : ٥٦]. وألوف ألوف من الناس يصلون عليه في الصلوات الخمس. وأما الخامس فظاهر. وقد قال هو بنفسه «أنا رسول الله بالسيف». وأما السادس فكانت قوّته الجسمانية على الكمال ، كما ثبت أن ركانة خلا برسول الله صلىاللهعليهوسلم في بعض شعاب مكة قبل أن يسلم ، فقال : يا ركانة الا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه؟ فقال : لو أعلم والله ما تقول حقا لا تبعتك. فقال : أرأيت ان صرعتك ، أتعلم أن ما أقول حق؟ قال : نعم. فلما بطش به صلىاللهعليهوسلم أضجعه لا يملك من أمره شيئا ، ثم قال : يا محمد عد. فصرعه أيضا. فقال يا محمد أن ذا لعجب. فقال صلىاللهعليهوسلم : وأعجب من ذلك إن شئت أن أريكه ، إن اتقيت الله وتبعت أمري. قال : ما هو؟ قال : أدعو لك هذه الشجرة. فدعاها ، فاقبلت حتى وقفت بين يديه صلىاللهعليهوسلم ، فقال لها : ارجعي مكانك. فرجع ركانة إلى قومه ، فقال يا بني عبد مناف ، ما رأيت أسحر منه. ثم أخبرهم بما رأى. وركانة هذا كان من الأقوياء والمصارعين المشهورين. وأما شجاعته فقد قال ابن عمر رضي الله عنهما : «ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود من رسول الله صلىاللهعليهوسلم». وقال علي كرم الله وجهه : «وإنّا كنا إذا حمي البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه. ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشدّ الناس يومئذ بأسا». وأما السابع فلأن الأمانة والصدق من الصفات الجبلية له صلىاللهعليهوسلم ، كما قال النضر بن الحارث لقريش : «قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم وجاءكم بما جاءكم قلتم انه ساحر. لا والله ما هو بساحر». وسأل هرقل عن حال النبيّ صلىاللهعليهوسلم أبا سفيان ، فقال : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال لا. وأما الثامن ، فلأنه رمى يوم بدر وكذا يوم حنين وجوه الكفار بقبضة تراب ، فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه ، فانهزموا وتمكن المسلمون منهم قتلا وأسرا. فأمثال هذه من عجيب هداية يمينه. وأما التاسع فلأن كون أولاد إسماعيل أصحاب النبل في سالف الزمان غير محتاج إلى البيان. وكان هذا الأمر مرغوبا له ، وكان يقول «ستفتح عليكم الروم ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو باسهمه».