وبكت أهل التثليث مطلقا على تفريطهم في توحيد الله وإفراطهم في حق عيسى عليهالسلام ، وبكت أكثرهم على عبادة الصليب والتماثيل وبعض عقائدهم الواهية.
البشارة الثالثة عشر : في الباب الثالث من إنجيل متى هكذا : «١ وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية ٢ قائلا تربوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات». وفي الباب الرابع من إنجيل متى هكذا : «١٢ ولما سمع يسوع أن يوحنا أسلم انصرف إلى الجليل ١٧ من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات ٢٣ وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت. إلخ». وفي الباب السادس من إنجيل متى في بيان الصلاة التي علمها عيسى عليهالسلام تلاميذه هكذا : «ليأت ملكوتك». ولما أرسل الحواريين إلى البلاد الإسرائيلية للدعوة والوعظ ، وصاهم بوصايا منها هذه الوصية أيضا : «وفيما أنتم ذاهبون أكرزوا قائلين أنه قد اقترب ملكوت السموات». كما هو مصرّح به في الباب العاشر من إنجيل متى. ووقع في الباب التاسع من إنجيل لوقا هكذا : «ودعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم قوّة وسلطانا على جميع الشياطين وشفاء أمراض ٢ وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله ، يشفوا المرضى». وفي الباب العاشر من إنجيل لوقا هكذا : «وبعد ذلك عين الرب سبعين آخرين أيضا وأرسلهم إلخ. فقال لهم إلخ. ٨ وأية مدينة دخلتموها وقبلوكم فكلوا مما يقدم لكم ٩ واشفوا المرضى الذين فيها ، وقولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله ١٠ وأية مدينة دخلتموها ولم يقبلوكم فاخرجوا إلى شوارعها وقولوا ١١ حتى الغبار الذي لصق بنا من مدينتكم ننفضه لكم ، ولكن اعلموا هذا أنه قد اقترب منكم ملكوت الله». فظهر أن كلّا من يحيى وعيسى والحواريين والتلاميذ السبعين بشر بملكوت السماوات ، وبشر عيسى عليهالسلام بالألفاظ التي بشر بها يحيى عليهالسلام. فعلم أن هذا الملكوت ، كما لم يظهر في عهد يحيى عليهالسلام ، فكذلك لم يظهر في عهد عيسى عليهالسلام ، ولا في عهد الحواريين والسبعين ، بل كلّ منهم مبشّر به ، ومخبر عن فضله ، ومترجّ لمجيئه. فلا يكون المراد بملكوت السموات طريقة النجاة التي ظهرت بشريعة عيسى عليهالسلام. وإلا لما قاله عيسى عليهالسلام والحواريون والسبعون ، أن ملكوت السموات قد اقترب. ولما علّم التلاميذ أن يقولوا في الصلاة (وليأت ملكوتك) لأن هذه طريقة قد ظهرت بعد ادّعاء عيسى عليهالسلام النبوّة بشريعته ، فهو عبارة عن طريقة النجاة التي ظهرت بشريعة محمد صلىاللهعليهوسلم.
فهؤلاء كانوا يبشرون بهذه الطريقة الجليلة. ولفظ ملكوت السموات بحسب الظاهر يدل على أن هذا الملكوت يكون في صورة السلطنة لا في صورة المسكنة ، وأن المحاربة والجدال فيه مع المخالفين يكونان لأجله ، وأن مبنى قوانينه لا بدّ أن يكون كتابا سماويا. وكل من هذه الأمور يصدق على الشريعة المحمدية. وما قال العلماء المسيحية أن المراد بهذا الملكوت