الأمر الخامس : إن حكم الجهاد في الشريعة المحمدية هكذا : يدعى الكفار أولا بالموعظة الحسنة إلى الإسلام ، فإن قبلوه فبها ويكونون كأمثالنا ، وإن لم يقبلوا فإن كانوا من مشركي العرب فحكمهم القتل ، كما كان هذا الحكم في الشريعة الموسوية في حق الأمم السبعة ، والمرتد والذابح للأوثان والداعي إلى عبادتها. وإن كانوا من غيرهم يدعون إلى الصلح بقبول الجزية والإطاعة ، فإن قبلوا صارت دماؤهم كدمائنا ، وأموالهم كأموالنا ، وإن لم يقبلوا فيحاربون مع مراعاة الشروط التي هي مصرّح بها في كتب الفقه ، كما كان مثله في الشريعة الموسوية في حق غير الأمم السبعة. والخرافات التي نقلها علماء پروتستنت في بيان هذه المسألة بعضها مفتريات ، وبعضها هذيانات. وأنقل كتاب خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى رئيس عسكر فارس ، وكتاب الأمان من عمر رضي الله عنه لنصارى الشام ، ليظهر الحال على الناظر اللبيب.
أما الأول فصورته هكذا : «بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى رستم ومهران في ملأ فارس. سلام على من اتّبع الهدى. أما بعد ، فإنا ندعوكم إلى الإسلام ، فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون ، فإن أبيتم فإن معي قوما يحبون القتل في سبيل الله ، كما يحب فارس الخمر. والسلام على من اتّبع الهدى». وأما الثاني فصورته هكذا : «بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أمانا لأنفسهم وكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبرها وسائر ملتها. إنها لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها ولا من صلبانهم ولا شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم ، ولا يسكن إيلياء أحد من اليهود. وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن. وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص. فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم. ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية. ومن أحب من إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم يخلي بيعتهم وصليبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعتهم وعلى صليبهم حتى يبلغوا مأمنهم. ومن كان فيها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعدوا عليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية. ومن شاء رجع إلى أرضه وأنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم. وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسول صلىاللهعليهوسلم وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية. شهد على ذلك من الصحابة رضي الله عنهم خالد بن الوليد رضي الله عنه ، وعمرو بن العاص رضي الله عنه ، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه». وكل الناس يعترفون أن أمير المؤمنين عمر ، رضي الله عنه ، كان شديدا في الإسلام في غاية الشدة ، وكان جهاد الشام من أعظم جهاداته ، وكان جاء بنفسه الشريف عند محاصرة إيلياء. ولما تسلّط على إيلياء