كان معصوما لا يمكن صدور الذنب منه في زعمهم. والخامس : أنه صرّح في السفر الأول من أخبار الأيام «وهو يكون رجلا ذا هدو وأريحه من جميع أعدائه». وعيسى عليهالسلام ما حصل له الهدو والراحة من أيام الصبا إلى أن قتل على زعمهم ، بل كان خائفا من اليهود ليلا ونهارا فارّا في أكثر الأوقات من موضع إلى موضع لخوفهم حتى أسروه وأهانوه وضربوه وصلبوه ، بخلاف سليمان عليهالسلام. فإن هذا الوصف كان ثابتا في حقه على وجه أتم. والسادس : أنه صرّح في السفر المذكور «وسلامة وقرارا أجعل على إسرائيل لي كل أيامه». واليهود كانوا في عهد عيسى عليهالسلام مطيعين للروم وعاجزين عن أيديهم. والسابع : أن سليمان عليهالسلام ادّعى بنفسه أن هذا الخبر في حقه ، كما هو مصرّح في الباب السادس من السفر الثاني من أخبار الأيام. وإن قالوا هذا الخبر ، وإن كان بحسب الظاهر في حق سليمان ، لكنه في الحقيقة في حق عيسى ، لأنه من أولاد سليمان. قلت : هذا غير صحيح ، لأن الموعود له لا بدّ أن يكون موصوفا بالصفات المصرّحة ، وعيسى عليهالسلام ليس كذلك. وإن قطع النظر عن الصفات المذكورة فلا يصحّ على زعم الجمهور من متأخّريهم ، لأنهم يقولون لرفع الاختلاف الواقع بين كلام متّى ولوقا في بيان نسب المسيح ، إن الأول بيّن نسب يوسف النجّار ، والثاني نسب مريم عليهاالسلام ، وهو مختار صاحب ميزان الحق. وظاهر أن المسيح عليهالسلام ليس ولدا للنجّار المذكور ، ونسبته إليه من قبيل أضغاث الأحلام بل هو ولد مريم عليهاالسلام. بهذا الاعتبار ليس من أولاد سليمان عندهم بل من أولاد ناثان بن داود. فلا يكون الخبر الواقع في حق سليمان منسوبا إلى عيسى لأجل النبوّة.
٣٦ ـ في الباب السابع عشر من سفر الملوك الأوّل في حقّ إليا الرسول هكذا : «وكان عليه قول الربّ : انصرف من هاهنا واستخف في وادي كريت ، وهناك من الوادي تشرب ، وقد أمرت الغربان بقولك. فانطلق وصنع مثل قول الرب وقعد في وادي كريت الذي قبال الأردن ، كانت الغربان تجيب له الخبز واللحم بالغداء والخبز واللحم بالعشاء ومن الوادي كان يشرب». انتهى. وفسّر كلهم ، غير جيروم ، لفظ أوريم في هذا الباب بالغربان ، وجيروم فسّر بالعرب. ولمّا كان رأيه ضعيفا في هذا الباب ، حرّف معتقدوه ، على عادتهم في التراجم اللّاطينية المطبوعة ، وغيّروا لفظ العرب بالغربان. وهذا الأمر مضحك لمنكري الملّة المسيحية ويستهزءون به. واضطرب محقّق فرقة بروتستنت هورن ومال إلى رأي جيروم لرفع العار ، وقال بالظن الأغلب أن المراد بأوريم العرب لا الغربان ، وسفّه المفسّرين والمترجمين بثلاثة أوجه. وقال في الصفحة ٦٣٩ من المجلد الأولى من تفسيره : «شنّع بعض المنكرين بأنه كيف يجوز أن تعول الغربان التي هي طيور نجسة الرسول وتجيب الغداء له ، لكنهم لو رأوا أصل اللفظ لما شنّعوا ، لأنه أوريم ومعناه العرب. وجاء بهذا المعنى في الآية السادسة