اعلم أنّ تقسيم الحديث إلى أقسامه المشهورة كان أصله من غيرنا ، ولم يكن معروفا بين قدماء علمائنا ، وإنّما كانوا يردّون الحديث بضعف السّند ، ويقبلون ما صحّ سنده ، وقد يردّونه لأمور اخر ، وقد يقبلون ما لم يصح سنده ، لاعتضاده بقرائن الصّحّة ، أو غير ذلك ، ولم يكن معروفا بينهم الاصطلاح : المعروف في أقسام الحديث اليوم ، وأوّل من استعمل ذلك الاصطلاح : العلّامة الحلّيّ ؛ فقسّم الحديث إلى : الصّحيح ، والحسن ، والموثوق ، والضّعيف ، والمرسل ، وغير ذلك ، وتبعه من بعده إلى اليوم (١) ...
مؤلفاته وآثاره العلميّة :
كان العلّامة ـ رحمهالله ـ متضلّعا في شتّى الميادين العلميّة ، ومتبحّرا فيها ، حتى برع في المعقول منها والمنقول ، .. وحاز قصب السّبق وهو في ريعان شبابه ، ومقتبل عمره ، على أقرانه من العلماء والفحول ؛ إذ قيل : انّه كان في عصره في الحلّة أربعمائة مجتهد (٢) ...
وقد ذكر العلامة ـ قدّس الله روحه ـ في مقدّمة كتابه «منتهى المطلب في تحقيق المذهب» أنّه فرغ من تصنيفاته الحكميّة والكلاميّة ، وأخذ في تحرير الفقه قبل أن يكمل له ٢٦ سنة ...
كما تقدّم في فقه الشّريعة ، وصنّف فيه المؤلّفات المتنوّعة والمختلفة من موسوعات ومطوّلات وشروح وإيضاحات ومختصرات ورسائل ، كانت من الرّفعة في المقام لدرجة أنّها لا زالت تحتلّ الصّدارة في مختلف المدارس العلميّة ، وشتّى الموضوعات الثّقافيّة ، ولا زالت محطّ أنظار العلماء والعارفين ، من عصره إلى اليوم ؛ بحثا وتدريسا ، وشرحا ، وتعليقا ... فهي تمثّل عصارة النّتاج الفكريّ المنبثق من ذلك العقل المبدع والذّهن الوقّاد ، .. وقد أحصينا له ـ مفصّلا ـ في كتابنا «قبسات
__________________
(١) أعيان الشّيعة ٥ : ٤٠١.
(٢) طبقات أعلام الشّيعة ق ٨ ص ٥٣.