حدوث السّكون أيضا ، وثبت أنّ كلّ جسم لا يخلو من الحوادث ، [وكلّ ما لا يخلو من الحوادث] فهو حادث بالضّرورة ، فثبت حدوث الأجسام.
وأمّا حدوث الأعراض ؛ فلأنّها مفتقرة في وجودها إلى الأجسام المحدثة ، والمحتاج الى المحدث أولى بالحدوث ، فثبت حدوث العالم.
قال «قدّس الله روحه» :
فيجب أن يكون له محدث بالضّرورة ، وهو المطلوب. ولا يجوز أن يكون ذلك المحدث محدثا ، وإلّا لافتقر إلى محدث آخر ؛ فإمّا أن يتسلسل ، أو يدور ، أو يثبت المطلوب وهو إثبات مؤثّر غير محدث ، والدّور والتّسلسل باطلان (١) ، فثبت المطلوب.
أقول : لمّا ثبت حدوث العالم وجب احتياجه إلى صانع ضرورة احتياج كلّ
__________________
(١) معنى الدّور أن يوجد شيئان ، كلّ واحد منهما علّة للآخر ، وبطلانه واضح ، لأنّه يستلزم توقّف الشّيء على نفسه ، مثال قول الشّاعر :
مسألة الدّور جرت |
|
بيني وبين من أحب |
لو لا مشيبي ما جفا |
|
لو لا جفاه لم أشب |
يقول الشّاعر : إن حبيبه جفاه لشيبه ، وانّ الشّيب حصل أوّلا ، ثمّ أعقبه الجفاء ، ثمّ ناقض نفسه ، وقال : انّ الشّيب كان من جفاء الحبيب ، أي : انّ الجفاء حصل أوّلا ثمّ أعقبه المشيب ، فيكون كلّ من الجفاء والشّيب متقدّما ومتأخّرا في آن واحد ، وبالتّالي يكون الشّيء متقدّما على نفسه وكذا لو قلت : لا يوجد المساء إلّا بعد الصّباح ، ولا يوجد الصّباح إلّا بعد المساء.
ومعنى التّسلسل أن يفرض وجود حوادث أو أفراد من جنس واحد لا تتناهى في جانب الماضي ، وكلّ فرد مسبوق بغيره على أن يكون السّابق علّة للّاحق ، وهو جائز في جانب المستقبل والأبد ، كالأعداد ، فإنّها تقبل الزّيادة ، ولا يمنع العقل من عدم تناهيها ، أمّا التّسلسل في جانب الماضي والأزل بحيث لا يكون لها أوّل فمحال ، لأنّ الأفراد إذا لم تنته إلى موجود بالذّات يلزم أن لا يوجد شيء أبدا ، فلو افترضنا أنّ كلّ فرد من أفراد الإنسان لا بدّ أن يولد من إنسان مثله ، كانت النّتيجة المنطقيّة أنّه لم يوجد إنسان أبدا ، تماما كما لو قلت : لا يدخل أحد إلى هذه الغرفة حتّى يدخلها إنسان قبله ، فتكون النّتيجة ـ والحال هذه ـ أن لا يدخل الغرفة أحد ، حيث يصبح المعنى : أنّ دخول الإنسان الغرفة شرط في دخوله إليها ، وبديهة أنّ الشّيء الواحد لا يكون شرطا لنفسه بنفسه ، ولا علّة ومعلولا لها في آن واحد لشيء واحد. معالم الفلسفة الإسلاميّة : ٥٣.