صنعة إلى صانع ، وهو المطلوب.
فنقول : إذا ثبت أنّ للعالم صانعا ، فلا يجوز أن يكون [محدثا] مثله ، لأنّه لو كان محدثا افتقر إلى محدث آخر بالضّرورة ؛ فإن كان هو الأوّل لزم الدّور ، وإن كان محدثا ثانيا أو ثالثا أو رابعا إلى غير النّهاية لزم التّسلسل ، وهما باطلان ـ لما يأتي ـ فبطل أن يكون صانع العالم محدثا ، فتعيّن أن يكون قديما ، وهو المطلوب.
أمّا بطلان الدّور ؛ فلأنّه عبارة عن توقّف كلّ شيء من الشّيئين على الآخر [فيما] توقّف عليه فيه ، فإذا كان كلّ واحد من الشّيئين موجدا للآخر ، فاذا فرض أحدهما مؤثّرا في الآخر : كان الّذي هو أثّر موقوفا على مؤثّره ، ضرورة توقّف الأثر على المؤثر ، فلو فرض أنّ الآخر مؤثّر فيه : كان موقوفا عليه أيضا ، فيكون موقوفا على علّته وعلى ما تتوقّف عليه علّته وهو نفسه ، فيلزم أن يكون كلّ واحد منهما متوقّفا على نفسه ، وتوقّف الشّيء على نفسه محال ، لأنّ المتوقّف متأخّر ، والمتوقّف عليه متقدّم ، فيلزم أن يكون كلّ واحد منهما متقدّما على نفسه متأخّرا عنها ، والمتقدّم من حيث هو متقدّم موجود ، والمتأخّر من حيث هو مؤخّر (١) معدوم ، فيلزم أن يكون الشّيء الواحد في [زمان واحد] (٢) موجودا ، معدوما ، وهو باطل بالضّرورة.
وأمّا بطلان التّسلسل ؛ فلأنّه يلزم منه وجود امور غير متناهية مترتّبة من العلل والمعلولات في الوجود ، وهو محال.
وأيضا : فإنّا إذا فرضنا سلسلة غير متناهية من المحدثات ، وكلّ محدث ممكن ؛ فمجموعها ممكن ، والممكن لا وجود له من نفسه ، فيحتاج إلى مؤثّر ، فالمؤثّر فيه : إمّا نفسه ، أو جزؤه ، أو الخارج منه (٣). لا جائز أن يكون المؤثّر فيه نفسه ، لاستحالة تأثير الشّيء في نفسه ، لأنّ المؤثّر متقدّم على أثره ، والشّيء لا يتقدّم على نفسه ، ولا جائز أن
__________________
(١) «ج» : متأخّر.
(٢) «ج» : الزّمان الواحد.
(٣) «ج» : عنه.