يكون المؤثّر فيه جزؤه ، وإلّا لزم أن يكون ذلك الجزء مؤثّرا في [الجميع لأنّ المؤثّر في الجملة مؤثّر في] كلّ واحد من أجزائها ، ومن جملة الأجزاء نفسه وعلله ، فيلزم أن يكون مؤثّرا في نفسه وفي علله ، وهو محال. فبقي أن يكون المؤثّر فيها خارجا عنها ، وهو الواجب ، فثبت بطلان التّسلسل ، وإذا بطل الدّور والتّسلسل ، ثبت أنّ صانع العالم قديم ، وهو المطلوب.
قال «قدّس الله روحه» :
ويجب أن يعتقد أنّه تعالى واجب الوجود (١) ، لأنّه لو كان ممكن الوجود (٢) ، لافتقر إلى مؤثّر : فإمّا أن يدور ، أو يتسلسل ، أو ينتهي إلى واجب الوجود ، وهو المطلوب.
__________________
(١) أحكام الواجب أربعة :
١ ـ لا يكون واجبا بالغير ، لأنّ معنى وجوبه بالذّات أنّه لم يوجد بسبب موجد ، ومعنى وجوبه بالغير أنّه وجد بسبب ، وعليه يلزم اجتماع النقيضين ، وهو محال.
٢ ـ لا يمكن أن يكون مركبا ، لأنّ المركّب مفتقر إلى أجزائه ، والواجب غير مفتقر إلى شيء ، وكما لا يكون الغير جزءا له ، كذلك لا يكون هو جزءا للغير.
٣ ـ وجود الواجب نفس حقيقته ، ولا شيء غير الوجود ؛ إذ لو كان للواجب ماهيّة زائدة على وجوده لكان الوجود عارضا ووصفا له ، والوصف مفتقر إلى الموصوف ، والواجب لا يفتقر إلى شيء.
٤ ـ لا يكون الواجب أكثر من واحد ، لأنّه : إمّا ان لا يكون بين الواجبين أيّة علاقة بحيث يكون أحدهما مباينا للآخر ، وإمّا أن يكون أحدهما علّة للثّاني ، وإمّا أن يكونا معلولين لعلّة ثالثة ، وعلى الأوّل لا يكون كلّ منهما واجبا ؛ إذ المفروض أنّهما متباينان ، وعلى الوجهين الآخرين يكون الواجب مفتقرا إلى علّة ، وهو خلاف الفرض. وكما لا يكون أكثر من واحد كذلك لا يجوز عليه العدم ، لأنّه واجب الوجود بالذّات. معالم الفلسفة الاسلاميّة : ٣٨ :
(٢) أحكام الممكن أربعة :
١ ـ أن لا تقتضي ذاته وجودا ولا عدما ؛ إذ لو اقتضت الوجود ، لكان الممكن واجبا لذاته ، ولو اقتضت العدم ، لكان ممتنعا لذاته ، وهو خلاف الفرض.
٢ ـ أنّ الإمكان الذّاتي وصف ملازم للممكن لا ينفكّ عنه بحال ، لأنّه لو انفكّ عنه ، لانقلب الإمكان إلى الامتناع أو الوجوب ، وقدّمنا أنّ ذلك محال.