وللثالث موجد رابع ، وهكذا إلى غير النّهاية ، لزم التّسلسل. وقد تقدّم بطلانهما ، فثبت أنّ صانع العالم واجب الوجود ، وهو المطلوب.
قال «قدّس الله روحه» :
ويجب أن يعتقد أنّه تعالى قديم ، أزليّ ، باق ، أبديّ ، لأنّه لو جاز عليه العدم ، لم يكن واجب الوجود ، وقد ثبت أنّه تعالى واجب الوجود.
أقول : القديم : هو الّذي لا يسبقه غيره ، والأزليّ : هو الّذي لا أوّل لوجوده ، والأبديّ : هو الّذي لا آخر لوجوده ، والباقي : هو المستمر في الوجود.
فنقول : الباري تعالى قديم ، أزليّ ، باق ، أبديّ ، لأنّه لو لم يكن وجوده بهذه الصّفات ، لزم صحّة العدم عليه : إمّا قبل وجوده على تقدير أن لا يكون قديما ولا أزليّا ، أو بعد وجوده على تقدير أن لا يكون أبديّا ، وفي أثناء وجوده على تقدير أن لا يكون باقيا ، وكلّ ما يصح (١) عليه العدم ، فوجوده من غيره ، لأنّ الّذي يعدم عن الشّيء إنّما يكون من غيره لا من ذاته ، لأنّ مقتضى الذّات لا يزول ، ومثاله من المحسوسات : كما في الشّمس لمّا [كان ضوؤها] (٢) من ذاتها ، بمعنى : أنّ الله تعالى خلقها مضيئة بنفسها ، لم يعدم عنها الضّوء ، ولمّا كان ما يستضيء بها ضوؤه من غيره ، صحّ عدم الضّوء عليه ، فنسبة الوجود إلى الواجب كنسبة الضّوء إلى الشّمس ، ونسبة الوجود إلى الممكن كنسبة الضّوء إلى المستضيء بضوء الشمس ، فيلزم مع صحّة العدم عليه أن يكون وجوده من غيره ، وكلّما كان وجوده من غيره ، فهو ممكن ، فيلزم أن يكون صانع العالم ممكنا ، وذلك محال ، لما ثبت من أنّه واجب الوجود ، فثبت أن يكون له هذه الصّفات (٣) ، وهو المطلوب.
قال «قدس الله روحه» :
__________________
(١) «ج» : صحّ.
(٢) «ج» : كانت في ضوئها.
(٣) «ج» : الأوصاف.