ويجب أن يعتقد أنّه تعالى قادر ، لأنّه لو كان موجبا ، لزم قدم العالم ، لاستحالة انفكاك المعلول عن العلّة (١) ، وقد بيّنّا أنّ العالم محدث (٢).
أقول : لمّا فرغ من إثبات الذّات شرع في إثبات الصّفات ، وهي : إمّا ثبوتيّة (٣) ، وتسمّى : «صفات الكمال» ، وإمّا سلبيّة (٤) ، وتسمّى : «صفات التّنزيه» و «صفات «الجلال».
فأوّل الثّبوتيّة : كونه قادرا ، ومتى أثبتنا له تعالى صفة أو سلبنا عنه صفة ، فيجب أوّلا أن نعرف معنى تلك الصّفة ، فنقول : الذّوات ثلاث :
منها : ما لا يصحّ منه فعل ، فلا يوصف بالنّسبة إلى ذلك الفعل ، لا بأنّه قادر ، ولا بأنّه موجب.
ومنها : ما يصحّ منه الفعل ، ولا يصح منه التّرك ، فيسمى : «موجبا» ؛ كالنّار بالنّسبة إلى الإحراق وترك الإحراق.
ومنها : ما يصحّ منه الفعل ، والتّرك ؛ كالإنسان بالنّسبة إلى الحركة ، ويسمّى :
«قادرا مختارا» وهو الّذي يصحّ منه أن يفعل ، وأن لا يفعل ، إذا كان الفعل ممكنا ولم يمنع منه مانع.
فقولنا : يصحّ منه أن يفعل ، يدخل فيه القادر والموجب ، وهو : الّذي يصحّ منه الفعل ، ولا يصحّ منه التّرك.
وقولنا : أن لا يفعل ، يخرج عنه الموجب ، لأنّه لا يصحّ منه ترك الفعل.
وقولنا : إذا كان الفعل ممكنا ، لأنّ قدرة القادر لا تتعلّق إلّا بالممكن ، فإنّ المستحيل لا تتعلّق به قدرة ؛ كجعل الجسم في حالة واحدة : متحرّكا ، ساكنا ، أو :
__________________
(١) «ج» : علّته.
(٢) راجع ص : ٤٧.
(٣) وهي الّتي تثبت ما يليق بذاته ؛ كالقدرة والعلم والكلام ، وغير ذلك.
(٤) وهي الّتي تنفي عنه ما لا يليق به ؛ ككونه ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر ، وغير ذلك.