وأمّا معنى كونه مريدا لأفعال عباده ؛ فاذا قلنا : انّه تعالى أراد من العبد الإيمان ، فمعناه : انّه أراد : أمر به ، لأنّ كلّ من أمر بشيء لا بدّ أن يكون مريدا [له] ، وقد أمر العبد بالإيمان ، فيكون مريدا له.
قال «قدّس الله روحه» :
ويجب أن يعتقد أنّه تعالى كاره ، لأنّه نهى عن المعاصي ، فيكون كارها لها.
أقول : إذا قلنا : انّه تعالى كاره للقبيح ؛ كالظّلم ، فمعناه : انّه لا يصدر منه مع كونه قادرا عليه ، لأنّ علمه بما فيه من المفسدة صارف له عن فعله ، كما أنّ علمه بما في الفعل من المصلحة داع إليه (١) إلى فعله. وإذا قلنا : انّه كاره لأفعال عباده ، فمعناه : انّه تعالى نهاهم عن القبيح منها كما نهاهم عن المعاصي ، في قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ) (٢) ، [وقوله تعالى] (٣) (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) (٤) وكلّ من نهى عن الشّيء [لا بدّ أن] يكون كارها له ، كما أنّ كلّ من أمر بشيء لا بدّ أن يكون مريدا له.
فائدة :
ومن صفاته الثّبوتيّة : كونه تعالى مدركا ، لورود الإذن الشّرعيّ [به] ، في قوله تعالى (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (٥) ومعناه : انّه عالم بالمدركات.
والدّليل عليه : ممّا ثبت انّه عالم بجميع المعلومات ، ومن جملتها : المدركات ، ومنها : كونه تعالى متكلّما ، لأنّه وصف نفسه بذلك في قوله تعالى : (وَكَلَّمَ
__________________
(١) «ج» : له.
(٢) الأنعام : ١٥١ ، الإسراء : ٣٣.
(٣) أضفناه لاستقامة السّياق.
(٤) الإسراء : ٣٢.
(٥) الأنعام : ١٠٣.