أقول : لمّا فرغ من صفات الكمال الّتي هي «الثّبوتيّة» شرع في ذكر الصّفات السّلبيّة الّتي هي : «صفات التّنزيه» ، وتسمّى : «صفات الجلال».
فمنها : كونه تعالى ليس بجسم ، ولا عرض ، ولا جوهر ، وكما أنّ إثبات صفة له تعالى يتوقّف على معرفة معناها لتثبت له ، كذلك نفي صفة عنه يحتاج إلى معرفة معناها لتنفى (١) عنه ؛ فنقول (٢) :
الجسم : هو الّذي يقبل القسمة طولا وعرضا وعمقا.
والجوهر : هو الّذي لا يقبل القسمة بوجه من الوجوه.
والعرض : هو الّذي يحلّ في الجسم ، ولا يصحّ انتقاله عنه.
والحيّز ، والمكان ؛ عبارة عن شيء واحد.
والمتحيّز : هو الحاصل في الحيّز.
والحالّ في المتحيّز : هو العرض القائم بالمتحيّز الّذي هو الجسم ، مثاله : الإناء الّذي فيه الماء ، فيقال للإناء : حيّز ، وللماء : متحيّز ، والبرودة القائمة بالماء : حالّ في المتحيّز.
إذا عرفت هذا ؛ فنقول :
الدّليل على أنّه تعالى ليس بجسم ، ولا عرض ولا جوهر : أنّه لو كان أحد هذه الثّلاثة ، لكان متحيّزا على تقدير كونه جسما أو جوهرا ، لأنّ كلّ واحد منهما لا بدّ له من حيّز ، أو حالّا في المتحيّز ، الّذي هو الجسم ، وكلّ متحيّز فهو : إمّا متحرّك ، أو ساكن ـ كما (٣) سبق بيانه ـ والحالّ في المتحيّز يتبعه في حركته أو سكونه ، فيكون كلّ واحد منهما لا يخلو من الحركة والسّكون الحادثين ، وكلّ ما لا يخلو من المحدثات (٤) ، فهو محدث ـ كما ـ تقدّم ـ فيلزم أن يكون محدثا. وقد ثبت قدمه تعالى ،
__________________
(١) «ج» : لتنتفي.
(٢) «ج» : فيقول.
(٣) «ج» : لما.
(٤) «ج» : المحدث.