يتّحد بالموجود ، لأنّ المعدوم لا يكون جزءا من الموجود ، لأنّ جزء الموجود يجب أن يكون موجودا ، فتبيّن أنّ الاتّحاد بأقسامه محال ، وكلّما هو محال في نفسه يستحيل ثبوته لغيره ، فيستحيل عليه الاتّحاد ، وهو المطلوب.
ومنها : أنّه تعالى غير مركّب عن شيء ، أي : لا يجوز أن يكون له أجزاء تتركّب ذاته منها ، لأنّه لو كان مركّبا ، لكان له أجزاء ، وكلّ مركّب فهو محتاج إلى جزئه ضرورة احتياج المركّب إلى جزئه ، وجزؤه غيره ، والمحتاج إلى غيره ممكن ، فيلزم أن يكون ممكنا ، وقد ثبت أنّه واجب الوجود ، فلا يكون مركّبا ، وهو المطلوب.
ومنها : أنّه تعالى يستحيل رؤيته بحاسّة البصر ، خلافا للأشاعرة (١) ؛ فإنّهم قالوا : إنّ الله تعالى [يصحّ] رؤيته بحاسّة البصر ، فيراه المؤمنون في الآخرة ، مع أنّه ليس في جهة (٢).
والدّليل على أنّه لا يصح أن يرى : أنّه لو جازت عليه الرّؤية ، لكان في جهة ، فإنّ معنى الرّؤية تقليب الحدقة السّليمة نحو المرئيّ طلبا لرؤيته ، وإذا كان كذلك ، فلا بدّ أن يكون المرئيّ مقابلا للرّائي ، حتّى يمكن رؤيته ، والرّائي في جهة ، وما يكون مقابلا لما في الجهة يجب أن يكون في جهة ، فيلزم مع جواز رؤيته أن يكون في جهة. وقد تقدّم بطلانه.
ومنها : أنّه تعالى يستحيل عليه الحاجة ، وهو معنى كونه غنيّا ، لأنّه لو احتاج ، فإمّا في ذاته أو في صفاته ، فيحتاج إلى غيره [وكلّ ما كان محتاجا إلى غيره] ، فهو ممكن ، فيلزم أن يكون ممكنا ، وهو محال. وقد ثبت أنّه واجب الوجود ، فيلزم أن يكون غنيّا ، وهو المطلوب.
__________________
(١) هم : أصحاب أبي الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعريّ ، المولود سنة ٢٦٠ ق ، والمتوفّى سنة ٣٢٤ ق. كان تلميذ أبي عليّ الجبّائيّ من شيوخ المعتزلة. وقد أخذ الأشعريّ أدلّة المعتزلة في سبيل المدافعة عن عقائد السّنّة ، وأصبحت تمثّل السّنّة فيما بعد. معجم الفرق الإسلاميّة : ٣٥.
(٢) أصول الدّين للبغداديّ : ٩٧ ، أصول الدّين للرّازي : ٧٣ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٥٦ ، قواعد المرام في علم الكلام : ٧٦.