قال «قدّس الله روحه» :
ويجب أن يعتقد أنّه تعالى [عدل] حكيم ، لأنّه لا يفعل قبيحا ، ولا يخلّ بواجب ، وإلّا لكان ناقصا ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
أقول : اعلم أنّ أركان الإيمان أربعة ، وهي : التّوحيد ، والعدل ، والنّبوّة ، والإمامة ، فلمّا ذكر الرّكن الأوّل منها وهو ركن التّوحيد وذكر ما فيه من المسائل ، شرع في بيان الثّاني وهو ركن العدل.
والمراد بالعدل ، هو : تنزيه ذات الباري تعالى عن فعل (١) القبيح ، والإخلال بالواجب ؛ فنقول :
الفعل القبيح ، هو : الّذي يستحقّ فاعله الذّمّ ، وتاركه المدح ، والواجب ، هو : الّذي يستحقّ فاعله المدح ، وتاركه الذّمّ.
والدّليل على أنّه تعالى لا يفعل القبيح : لأنّ القبيح لا يفعله فاعل إلّا لجهله بقبحه ، أو احتياجه إليه مع علمه بقبح ذلك ، وكلّ واحد من الجهل والحاجة نقص ، لأنّ الجهل مقابل للعلم الّذي هو كمال ، والحاجة مقابلة للاستغناء الّذي هو كمال ، ومقابل الكمال نقص ، والله تعالى منزّه عن النّقص ، فلو صدر عنه القبيح ، لكان ناقصا. تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
وإنّما قلنا : انّ الفاعل للقبيح لا يفعله إلّا جاهل أو محتاج ، لأنّ العالم بالقبيح المستغني عنه لا يفعله البتّة ، لعدم الدّاعي إليه ، ووجود الصّارف عنه ، ومع ذلك لا يوجد الفعل من الفاعل.
وأيضا : فقد ثبت أنّه غنيّ ، فلا يكون له حاجة إلى فعل القبيح ، وثبت أنّه عالم بجميع المعلومات ، فيكون عالما بقبح القبيح ، وعالما باستغنائه عنه ، والغنيّ عن فعل القبيح ، العالم بقبحه ، لا يفعله ضرورة.
__________________
(١) ليست في «ج».