منها : قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (١) والوليّ المراد به : الأولى (٢) ، لاستعمال ذلك في اللّغة ، وعطف سبحانه ولاية رسوله على ولاية الله ، وعطف ولاية الّذين آمنوا على ولاية الرّسول ، فيجب طاعة الّذين آمنوا كما وجب طاعة الله وطاعة رسوله ، لأنّ حكم المعطوف حكم المعطوف عليه. والمراد بالّذين آمنوا : بعض المؤمنين ، وهو عليّ عليهالسلام ، لأنّه وصف بصفة لم تحصل لغيره ، وهو إيتاء الزكاة في حال ركوعه ، فيجب أن يكون هو الأولى بالتّصرّف في الأمّة ، وذلك صفة الإمام.
__________________
(١) المائدة : ٥٥.
(٢) قال الشيخ الطّوسي «رحمهالله» :
وجه الدّلالة من الآية أنّه قد ثبت أنّ الوليّ في الآية بمعنى : الأحقّ ، والأولى ، وثبت أنّ المعنيّ بقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أمير المؤمنين (ع) ، وإذا ثبت هذان الأصلان دلّ على إمامته (ع) ، لأنّ كلّ من قال : انّ معنى الوليّ في الآية ما ذكرناه قال : إنّها مخصوصة فيه ، ومن قال : إنّها مخصوصة ، قال : إنّ المراد بها الإمامة.
فإن قيل : دلّوا على أنّ الوليّ يستعمل في اللّغة بمعنى : الأولى والأحقّ ، ثمّ على أنّ المراد به في الآية ذلك ، ثمّ بيّنوا توجّهها إلى أمير المؤمنين (ع).
قيل له : أمّا الّذي يدلّ على أنّ الوليّ يستعمل في اللّغة بمعنى : الأولى استعمال أهل اللّغة ، لأنّهم يقولون في السّلطان المالك للأمر : فلان وليّ الأمر ، وقال الكميت :
ونعم وليّ الأمر بعد وليّه |
|
ومنتجع التّقوى ونعم المؤدّب |
ويقولون : فلان وليّ العهد ، في من استخلف للأمر ، لأنّه أولى بمقامه من غيره ، وروي عن النّبيّ (ص) : (أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها ، فنكاحها باطل) وإنّما أراد به من يكون أولى بالعقد عليها ، وقال الله تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي) يعني : من يكون أولى بحوز الميراث من بني العمّ. وقال المبرّد في كتابه المعروف بالعبارة عن صفات الله : إنّ أصل الوليّ هو : الأولى ، والأحقّ ، وكذلك المولى ، فجعل الثّلاث عبارات بمعنى واحد. وشواهد ما ذكرنا كثيرة في كتب اللّغة.
فامّا الّذي يدلّ على أنّ المراد به في الآية ما ذكرناه ، هو أنّ الله تعالى نفى أن يكون لنا وليّ غير الله وغير رسوله والّذين آمنوا بلفظة : «إنّما» ، ولو كان المراد به الموالاة في الدّين لما خصّ بها المذكورين ، لأنّ الموالاة في الدّين عامّة في المؤمنين كلّهم ، قال الله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ).