__________________
والّذي يدلّ على أنّ لفظة «أنّما» تفيد التّخصيص أنّ القائل إذا قال : إنّما لك عندي درهم ، فهم منه نفي ما زاد عليه ، وجرى مجرى : ليس لك عندي إلّا درهم. وكذلك إذا قالوا : إنّما النّحاة المدقّقون البصريّون ، فهم نفي التّدقيق عن غيرهم. وكذلك إذا قالوا : إنّما السّخاء سخاء حاتم ، فهم نفي السّخاء عن غيره ، وقد قال الأعشى :
ولست بالأكثر منهم حصى |
|
وإنّما العزّة للكاثر |
وأراد نفي العزّة عمّن ليس بكاثر ، وقد روي عن النّبيّ (ص) : (إنّما الماء من الماء) واحتجّ بذلك الأنصار في نفي الماء من غير الماء ، وادّعى من خالفهم نسخ الخبر ، فعلم أنّهم فهموا منه التخصيص ، والّا كانوا يقولون : (إِنَّما) لا تفيد الاختصاص بوجوب الماء من الماء.
والّذي يدلّ على أنّ الولاية في الآية مختصّة ، أنّه قال : (وَلِيُّكُمُ) فخاطب به جميع المؤمنين جملتهم ودخل في ذلك النّبيّ وغيره ، ثمّ قال : (وَرَسُولُهُ) فأخرج النّبي ـ عليه وآله السّلام ـ من جملتهم ، لكونهم مضافين إلى ولايته ، فلمّا قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) وجب أيضا أنّ الّذي خوطب بالآية غير الّذي جعلت له الولاية ، وإلّا أدّى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه ، وأدّى إلى أن يكون كلّ واحد منهم وليّ نفسه ، وذلك محال.
وإذا ثبت أنّ المراد في الآية ما ذكرناه ، والّذي يدلّ على أنّ أمير المؤمنين (ع) هو المختصّ بها أشياء :
منها : أنّ كلّ من قال : إنّ معنى الوليّ في الآية معنى الأحقّ ، قال : إنّه هو المخصوص به ، ومن خالف في اختصاص الآية فجعل الآية عامّة في المؤمنين ، وذلك قد أبطلناه.
ومنها : أنّ النّقل حاصل من الطّائفتين المختلفتين والفرقتين المتباينتين من الشّيعة وأصحاب الحديث انّ الآية خاصّة في أمير المؤمنين (ع).
ومنها : أنّ الله تعالى وصف الّذين آمنوا بصفات ليست موجودة إلّا فيه ، لأنّه قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) فبيّن أنّ المعنيّ بالآية هو الّذي آتى الزّكاة في حال الرّكوع ، وأجمعت الامّة على أنّه لم يؤت أحد الزّكاة في هذه الحال غير أمير المؤمنين (ع).
وليس لأحد أن يقول : انّ قوله : (وهم راكعون) ليس هو حالا لإيتاء الزّكاة ، بل إنّما المراد به أنّ صفتهم إيتاء الزّكاة ، لأنّ ذلك خلاف للّغة ، ألا ترى أنّ القائل إذا قال : لقيت فلانا وهو راكب ، لم يفهم منه إلّا لقاؤه في حال الرّكوب ، ولم يفهم منه أنّ من شأنه الرّكوب. وإذا قال : رأيته وهو جالس ، أو جاءني وهو ماش ، لم يفهم من ذلك كلّه إلّا موافقة رؤيته في حال الجلوس أو مجيئه ماشيا. وإذا ثبت ذلك ، وجب أن يكون حكم الآية أيضا هذا الحكم.
فإن قيل : ما أنكرتم أن يكون المراد بقوله تعالى : (وَهُمْ راكِعُونَ) أي : يؤتون الزّكاة متواضعين ، كما قال الشّاعر :