وأمّا الحسن بن سهل فكان متحصّنا بواسط ، ومعه أصحابه ، والتقوا في رجب ، فاقتتلوا أشدّ قتال. ثم انهزم جيش إبراهيم بن المهديّ ، وأخذ أصحاب الحسن أثقالهم وأمتعتهم وقووا (١).
* * *
[ظفر إبراهيم بن المهديّ بسهل بن سلامة]
وفي السنة ظفر إبراهيم بن المهديّ بسهل بن سلامة الأنصاريّ المطّوّعيّ ، فحبسه وعاقبه. وكان ببغداد يدعو إلى العمل بالكتاب والسّنّة ، واجتمع له عامّة بغداد. فكانوا ينكرون بأيديهم على الدولة ويغيرون ، ولهم شوكة ، وفيهم كثرة ، حتّى همّ إبراهيم بقتاله.
فلمّا جاءت الهزيمة أقبل سهل بن سلامة يقول لأصحابه : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فكان كلّ من أجابه لذلك عمل على باب داره برجا بآجرّ وجصّ ، ينصب عليه السّلاح والمصحف. فلما وصل عيسى من الهزيمة أتى هو وإخوته وأصحابه نحو سهل ، لأنّه كان يذكرهم بالفسق ويسبّهم ، فقاتلوه أيّاما. ثم خذله أهل الدّروب ، لأنّ عيسى وهبهم حملا من الدّراهم ، فكفّوا.
فلما وصل القتال إلى دار سهل بن سلامة ألقى سلاحه واختلط بالنّظّارة ، واختفى ودخل بين النّساء. فجعلوا العيون عليه ، فأخذوه في الليل من بعض الدّروب ، وأتوا به إسحاق بن الهادي ، وهو وليّ عهد بعد عمّه إبراهيم ، وكلّمه وحاجّه وقال : حرّضت علينا النّاس وعبتنا! فقال : إنّما كانت دعواي عبّاسيّة ، وإنّما كنت أدعو إلى الكتاب والسّنّة. وأنا على ما كنت عليه ، أدعوكم إليه السّاعة. فلم يقبل منه وقال : أخرج إلى الناس وقل : ما كنت أدعوكم إليه باطل. فخرج إلى الناس وقال : يا معشر النّاس ، قد علمتم ما كنت أدعوكم إليه من الكتاب والسّنّة ، وأنا أدعوكم إلى ذلك السّاعة.
فوجأ الأعراب في رقبته ولطموه ، فنادى : يا معشر الحربية ، المغرور من غررتموه.
ثم قيّد وبعث به إلى المدائن ، إلى إبراهيم بن المهديّ. فجرى بينه وبين
__________________
(١) الطبري ٨ / ٥٦٢ ، ابن الأثير ٦ / ٣٤٤ ، النويري ٢٢ / ٢٠٥.