وذكر أبو حاتم السّجستانيّ في كتاب «الوصايا» أنّ حصن بن حذيفة أوصى ولده عند موته ، وكانوا عشرة ، قال : وكان سبب موته أن كرز بن عامر العقيلي طعنه ، فاشتدّ مرضه ، فقال لهم : الموت أروح مما أنا فيه ، فأيّكم يطيعني؟ قالوا : كلنا ، فبدأ بالأكبر ، فقال : خذ سيفي هذا فضعه على صدري ، ثم اتكئ عليه حتى يخرج من ظهري ، فقال : يا أبتاه ، هل يقتل الرجل أباه! فعرض ذلك عليهم واحدا وأحدا ، فأبوا إلا عيينة ، فقال له : يا أبت ، أليس لك فيما تأمرني به راحة وهوى ، ولك فيه مني طاعة؟ قال : بلى ، قال : فمرني كيف أصنع؟ قال : ألق السيف يا بني ، فإنّي أردت أن أبلوكم فأعرف أطوعكم لي في حياتي ، فهو أطوع لي بعد موتي ، فاذهب ، أنت سيد ولدي من بعدي ، ولك رياستي ، فجمع بني بدر فأعلمهم ذلك ، فقام عيينة بالرياسة بعد أبيه ، وقتل كرزا.
وهكذا ذكر الزبير في الموفقيات.
وفي صحيح البخاريّ أن عيينة قال لابن أخيه الحرّ (١) بن قيس : استأذن لي على عمر ، فدخل عليه فقال : ما تعطي الجزل ، ولا تقسم بالعدل. فغضب ، وقاله له الحر (٢) بن قيس : إن الله يقول : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) [الأعراف ١٩٩] ، فتركه بهذا الحديث أو نحوه.
وذكر ابن عبد البر أن عثمان تزوّج بنته فدخل عليه عيينة يوما فأغلظ له ، فقال له عثمان : لو كان عمر ما أقدمت عليه.
وقال البخاريّ في «التّاريخ الصّغير» : حدثنا محمد بن العلاء. وقال المحامليّ في أماليه : حدثنا هارون بن عبد الله ، واللفظ له ، قالا : حدثنا عبد الرحمن بن حميد (٣) المحاربي ، حدثنا حجاج بن دينار ، عن أبي عثمان ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة بن عمرو ، قال : جاء الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن إلى أبي بكر الصديق رضياللهعنه ، فقال : يا خليفة رسول الله ، إنّ عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة ، فإن رأيت أن تقطعناها؟ فأجابهما ، وكتب لهما ، وأشهد القوم وعمر ليس فيهم ، فانطلقا إلى عمر ليشهداه فيه ، فتناول الكتاب وتفل فيه ومحاه ، فتذمّرا له وقالا له مقالة سيئة ، فقال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يتألّفكما ، والإسلام يومئذ قليل ، إن الله قد أعزّ الإسلام ، اذهبا فاجهدا عليّ جهدكما ، لا رعى الله عليكما إن رعيتما ، فأقبلا إلى أبي بكر وهما يتذمران ، فقالا : ما ندري والله ، أنت الخليفة أو عمر؟ فقال : بل هو لو كان شاء ، فجاء عمر وهو مغضب حتى وقف على أبي
__________________
(١) في أ : الحارث.
(٢) في أ : الحارث.
(٣) في أ : محمد.