ولأحمد بن أبي دؤاد ، فعملا عليه ، وما زالا حتى ألقيا في قلب المعتصم أنّ الأفشين يريد قتله. ونقل إليه ابن أبي دؤاد أنّه يكاتب المازيار. فطلب المعتصم كاتبه وتهدّده بالقتل ، فاعترف وقال : كتبت إليه بأمره يقول : لم يبق غيري وغيرك وغير بابك. وقد مضى بابك ، وجيوش الخليفة عند ابن طاهر ، ولم يبق عند الخليفة سواي ، فإن هزمت ابن طاهر كفيتك أنا المعتصم ، وتخلص لنا الدّين الأبيض ، يعني المجوسيّة. وكان يتّهم بها.
فوهب المعتصم للكاتب مالا وأحسن إليه ، وقال : إن أخبرت أحدا قتلتك. فروي عن أحمد بن أبي دؤاد قال : دخلت على المعتصم وهو يبكي ويقلق ، فقلت : لا أبكى الله عينيك ، ما بك؟
قال : يا أبا عبد الله ، رجل أنفقت عليه ألف ألف دينار ، ووهبت له مثلها يريد قتلي. قد تصدّقت لله بعشرة آلاف ألف درهم ، فخذها ففرّقها. وكان الكرخ قد احترق ، فقلت : نفرّق نصف المال في بناء الكرخ ، والباقي في أهل الحرمين.
قال : افعل.
وكان الأفشين قد سيّر أموالا عظيمة إلى مدينة أشروسنة ، وهمّ بالهرب إليها ، وأحسّ بالأمر. ثم هيّأ دعوة ليسمّ المعتصم وقوّاده (١) ، فإن لم يجب دعا لها الأتراك مثل إيتاخ ، وأشناس فيسمّهم ويذهب إلى أرمينية ، ويدور إلى أشروسنة. فطال به الأمر ، ولم يتهيّأ له ذلك (٢) ، فأخبر بعض خواصّه المعتصم بعزمه ، فقبض حينئذ المعتصم عليه وحبسه ، وكتب إلى ابن طاهر بأن يقبض على ولده الحسن بن الأفشين (٣).
__________________
= الأرب ٢٢ / ٢٥٨ ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ٣٤ ، ومرآة الجنان ٢ / ٩١ ، والبداية والنهاية ١٠ / ٢٩٢.
(١) تاريخ الطبري ٩ / ١٠٥ ، العيون والحدائق ٣ / ٤٠٤ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٥١٢ ، تجارب الأمم ٦ / ٥١٨.
(٢) الطبري ٩ / ١٠٥ ، ١٠٦ ، العيون والحدائق ٣ / ٤٠٥.
(٣) الطبري ٩ / ١٠٦ ، العيون والحدائق ٣ / ٤٠٥ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٥١٢ ، وآثار الأول للعباسي ٢١٦ ـ ٢١٨.