قال : فقلت لا بدّ من أداء الجزية.
فقال : يعفيني الأمير.
قال : فقلت : لا سبيل إلى ذلك.
قال : فأنا منصرف على أماني.
فأذنت له ، وأمرتهم بأن يسقوا فرسه عند خروجه إليه. فلمّا رأى ذلك دعا بدابّة شاكريّة ، فركبها وترك دابّته ، وقال : ما كنت لآخذ معي شيئا قد أرتفق منكم بمرفق فأحاربكم عليه.
قال : فاستحسنت منه ذلك وطلبته ، فلمّا دخل قلت : الحمد لله الّذي أظفرني بك بلا عقد ولا عهد.
قال : وكيف ذاك؟
قلت : لأنّك قد انصرفت من عندي ثم عدت إليّ.
قال : شرطك أن تصيّرني إلى مأمني. فإن كان دارك مأمني فلست بخائف ، وإن كان مأمني داري فردّني إلى البلقاء.
فجهدت به إلى أداء الجزية ، على أن أهبه في السنّة ألفي دينار ، فلم يفعل. فأذنت له في الرجوع إلى مأمنه. فرجع ثم أسعر الدّنيا شرّا.
ثم حمل إلى عبيد الله بن المهديّ مال من مصر فخرج اليهوديّ متعرّضا له ، فكتب إليّ النعمان بذلك ، فكتبت إليه آمره بمحاربة اليهوديّ إن عرض للمال. فخرج النّعمان ملتقيا للمال ، ووافاه اليهوديّ ، ومع كلّ واحد منهما جماعته. فسأل النعمان اليهوديّ الانصراف ، فأبى وقال : إن شئت خرجت إليك وحدي وأنت في جماعتك ، وإن شئت تبارزنا ، فإن ظفرت بك انصرف أصحابك إليّ وكانوا شركائي في الغنيمة ، وإن ظفرت بي صار أصحابي إليك. فقال له النّعمان : يا يحيى ، ويحك أنت حدث ، وقد بليت بالعجب. ولو كنت من قريش لما أمكنك معارّة السلطان. وهذا الأمير هو أخو الخليفة. وإنّا وإن فرّقنا الدّين أحبّ أن لا يجري على يديّ قتل فارس من الفرسان ، فإن كنت تحب ما أحبّ من السّلامة فاخرج إليّ ، ولا يبتلى بك وبي من يسوءنا قتله.