قال : فخرجا جميعا وقت العصر ، فلم يزالا في مبارزة إلى الظّلام ، فوقف كلّ منهما على فرسه ، واتّكأ على رمحه ، إلى أن غلبت النّعمان عيناه ، فطعنه اليهوديّ ، فوقع سنان رمحه في منطقة النّعمان ، فدارت المنطقة وصار السّنان يدرو بدوران المنطقة إلى الظّهر ، فاعتنقه النّعمان وقال له : أغدرا يا ابن اليهوديّة؟
فقال له : أو محارب ينام يا ابن الأمة.
واتّكى عليه النّعمان عند معانقته إيّاه ، فسقط فوقه ، وكان النّعمان ضخما ، فصار فوق اليهوديّ ، فذبحه وبعث إليّ برأسه. فلم يختلف عليّ بعدها أحد. ثمّ ولي بعدي دمشق سليمان بن المنصور ، فانتهبه أهل دمشق وسبوا حرمه ، ثم ولي بعده أخوه منصور ، فكانت على رأسه الفتنة العظمى. ثم لم يعط القوم طاعة بعد ذلك ، إلى أن افتتح دمشق عبد الله بن طاهر سنة عشر ومائتين.
وكان السّبب في صرفي عن دمشق للمرة الأولى أنّني اشتهيت الاصطباح فأغلقت الأبواب.
قال : فحضر الكاتب ، فصار إليه بعض الحشم ، فسأله أن يكتب له إلى صاحب المنزل ، فلم يمكن إخراج الدّواة ، واستعجله ذلك الغلام ، فأخذ فحمة ، وكتب في خزفة لحاجته ، فأخذ سليم حاجبي تلك الفحمة فكتب على الحائط :كاتب يكتب بفحمة في الخزف ، وحاجب لا يصل. فوافى صاحب البريد ، فقرأ ما كتب سليم ، فكتب بذلك إلى الرشيد ، فوافى كتابه الرّقّة يوم الرابع ، فساعة وقع بصره على الكتاب عزلني ، وحبسني مائة يوم ، ثم رضي عنّي بعد سنة. ثم قال لي بعد سنتين : بحقّي عليك لما تخيّرت ولاية أولّيكها. فقلت : دمشق. فسألني عن سبب اختياري لها ، فأخبرته باستطابتي هواءها ، واستمرائي ماءها ، واستحساني مسجدها وغوطتها.
فقال : قدرك اليوم عندي يتجاوز ولاية دمشق ، ولكن أجمع لك مع ولاية الصّلاة والمعادن ولاية الخراج ، فعقد لي عليها (١).
__________________
(١) تهذيب تاريخ دمشق ٢ / ٢٦٩ ـ ٢٧٣.