لم يفارق الشّام ، وكان شيعيّا ظريفا خليعا ماجنا ، له مراث في الحسين (١). وكان مولده سنة إحدى وستّين ومائة.
أخذ عنه : أبو تمّام الطّائيّ ، وغيره.
وقيل إنّ أبا نواس لمّا سار إلى مصر ليمدح الخصيب بن عبد الحميد اجتاز بحمص فاختفى منه ديك الجنّ واستصغر نفسه معه ، فجاء إلى داره وقال لجاريته : قولي أن يخرج ، فقد فتن أهل العراق بقوله :
مورّدة من كفّ ظبي كأنّما |
|
تناولها من خدّه فأدارها |
فلمّا سمع ذلك خرج إليه وأدخله ، وعمل له ضيافة.
ومن أبيات هذه القصيدة :
فقم أنت فاحثث كأسها غير صاغر |
|
ولا تسق غير (٢) خمرها وعقارها |
فقام يكاد الكأس يحرق كفّه |
|
من الشّمس أو من وجنتيه استعارها |
ظللنا بأيدينا نتعتع روحها |
|
فتأخذ من أرواحنا الرّاح ثارها (٣) |
عن يقظان بن سلّام قال : قلنا لأبي تمّام : لو نهيت ديك الجنّ ممّا هو فيه ، ولك عشرة آلاف درهم.
قال أبو تمّام : فدخلت عليه وهو مطّرح على حصير سكران ، وعلى رأسه غلام يروّحه. فلمّا رآني الغلام نبّهه ، فلمّا رآني قام يلبّني ، وقال : تحسن تقول مثلي؟ ثمّ أنشد :
أما ترى راهب الأسحار قد هتفا |
|
وحثّ تغريده لمّا علا السّعفا |
أوفى يصيغ إلى فانوس مغرقة |
|
كغرّة التّاج لما عولي الشّرفا |
مشنّف بعقيق فوق مديحه |
|
هل كنت في غير أذن تعهد الشّنفا |
لمّا أراحت رعاة اللّيل عارية |
|
من الكواكب كادت ترتقي السّدفا |
هزّ اللّواء على ما كان من هيف |
|
فارتجّ لمّا علاه اهتزّ ثمّ هفا |
ثمّ استمرّ كما غنّى على طرب |
|
تكدّر الماء على تغريده وصفا |
__________________
(١) الأغاني ١٤ / ٥١.
(٢) في وفيات الأعيان : «إلا».
(٣) ديوانه ١٠٧ ، وفيات الأعيان ٣ / ١٨٥.