اجتمع ببابه جماعة منهم ، فقالوا : يدفن من كان على ساقه الكرم وتاريخ الأدب ولا نتكلّم فيه؟ إنّ هذا لوهن وتقصير. فلمّا طلع سريره قام ثلاثة منهم ، فقال أحدهم :
اليوم مات نظام الفهم واللّسن |
|
ومات من كان يستعدى على الزّمن |
وأظلمت سبل الآداب إذ حجبت |
|
شمس المكارم (١) في غيم من الكفن |
وقال الثّاني :
ترك المنابر والسّرير تواضعا |
|
وله منابر لو يشاء وسرير |
ولغيره يجبى الخراج وإنّما |
|
تجبى إليه محامد وأجور |
وقال الثّالث :
وليس نسيم (٢) المسك ريح حنوطه |
|
ولكنّه ذاك الثّناء المخلّف |
وليس هرير النّعش ما تسمعونه |
|
ولكنّها أصلاب قوم تقصّف (٣) |
قال أبو روق الهزّانيّ : حكى لي ابن ثعلبة الحنفيّ عن أحمد بن المعذّل أنّ ابن أبي دؤاد كتب إلى رجل من أهل المدينة : إن تابعت أمير المؤمنين في مقالته استوجبت حسن المكافأة.
فكتب إليه : عصمنا الله وإيّاك من الفتنة. الكلام في القرآن بدعة يشترك فيها السّائل والمجيب. تعاطى السّائل ما ليس له ، وتكلّف المجيب ما ليس عليه. ولا نعلم خالقا إلّا الله ، وما سواه مخلوق إلّا القرآن ، فإنّه كلام الله (٤).
وعن المهتدي بالله محمد بن الواثق قال : كان أبي إذا أراد أن يقتل رجلا أحضرنا ذلك المجلس. فأتي بشيخ مخضوب مقيّد ، فقال أبي : ائذنوا لابن أبي دؤاد وأصحابه. فأدخل الشيخ ، فقال : السّلام عليك يا أمير المؤمنين.
فقال له : لا سلّم الله عليك.
قال : بئس ما أدّبك مؤدّبك.
قلت : في رواتها غير مجهول.
__________________
(١) في تاريخ بغداد : «شمس المعارف».
(٢) في وفيات الأعيان ، والوافي بالوفيات : «فتيق المسك».
(٣) تاريخ بغداد ٤ / ١٥٠ ، ١٥١ ، وفيات الأعيان ١ / ٩٠ ، الوافي بالوفيات ٧ / ٢٨٤ ، النجوم الزاهرة ٢ / ٢٠٣.
(٤) تاريخ بغداد ٤ / ١٥١.