ثم قال يحيى بن معين : ما كان يحدّث يقول : لست موضع ذلك (١).
وقال الصّوليّ : كان أحمد بن نصر من أهل الحديث.
وكان أحمد بن نصر من أهل الحديث ، وكان هو وسهل بن سلامة حين كان المأمون بخراسان بايعا النّاس على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، إلى أن قدم المأمون بغداد ، فرفق بسهل حتّى لبس السّواد ، وأخذ الأرزاق ، ولزم أحمد بيته. ثم إنّ أمره تحرّك ببغداد في آخر أيّام الواثق ، واجتمع إليه خلق يأمرون بالمعروف ، إلى أن ملكوا بغداد. وتعدّى رجلان من أصحابه موسرين ، فبذلا مالا ، وعزما على الوثوب ببغداد في شعبان سنة إحدى وثلاثين ، فنمّ الخبر إلى إسحاق بن إبراهيم ، فأخذ جماعة منهم ، فيهم أحمد بن نصر وصاحباه ، فقيّدهما. ووجد في منزل أحدهما أعلاما. وضرب خادما لأحمد ، فأقرّ أنّ هؤلاء كانوا يصيرون إليه ليلا فيعرّفونه ما عملوا. فحملهم إسحاق مقيّدين إلى سامرّاء فجلس لهم الواثق ، وقال لأحمد : دع ما أخذت له. ما تقول في القرآن؟
قال : كلام الله.
قال : أمخلوق هو؟.
قال : كلام الله.
قال : أفترى ربّك في القيامة؟.
قال : كذا جاءت الرواية.
قال : ويحك يرى كما يرى المحدود المتجسّم ، ويحويه مكان ، ويحصره النّاظر؟ أنا كفرت بربّ هذه صفته ، ما تقولون فيه؟.
فقال عبد الرحمن بن إسحاق ، وكان قاضيا على الجانب الغربيّ ، فعزل : هو حلال الدّم.
وقال جماعة من الفقهاء كقوله ، فأظهر ابن أبي دؤاد أنّه كاره لقتله ، وقال : يا أمير المؤمنين شيخ مختلّ ، لعلّ به عاهة ، أو تغيّر عقله. يؤخّر أمره ويستتاب.
فقال الواثق : ما أراه إلّا مؤدّيا لكفره ، قائما بما يعتقده منه.
ثم دعا بالصّمصامة وقال : إذا قمت إليه فلا يقومنّ أحد معي ، فإنّي أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الّذي يعبد ربّا لا نعبد ولا نعرفه بالصّفة الّتي وصفه بها.
__________________
(١) تاريخ بغداد ٥ / ١٧٦.