ثم وإن سلمنا صحة ما ذكروه فى الكيفيات الملموسة ؛ ولكن لا نسلم دلالة ذلك على اختلاف صور جوهرية للعناصر. وما المانع من أن يكون اختلاف العناصر فى هذه الكيفيات بسبب اختلافها فى أمور عرضية غير هذه الكيفيات.
قولهم : ما من عرض يقدر ، إلا ويمكن فرض الاشتراك فيه ، مع اختلاف هذه العناصر ؛ غير مسلم ؛ ولا يلزم من امتناع الاختلاف بينها ، فى بعض الأعراض ، ذلك فى كل عرض يقدّر ؛ ولا يخفى أن ذلك مما لا سبيل إلى الدلالة عليه.
وإن رجعوا إلى امتناع اختصاص البعض بعارض مع اتحاد النوع ؛ لما ذكروه ؛ عاد ما ذكرناه.
قولهم : إن وجود الجسم (١) المطلق غير متصور دون ما يخصصه ؛ فوجب أن يكون ما توقف عليه صورة جوهرية ؛ لما قرّروه.
قلنا : فيلزم على ما ذكرتموه أن يكون الاختلاف بين أشخاص كل نوع من أنواع الجسم بالصور الجوهرية لا بالعوارض ؛ لامتناع وجود طبيعة النوع فى الوجود العينى مشخصا ، دون ما يخصصه ، ويميزه عن باقى الأشخاص ولم تقولوا به ؛ إذ النوع عندهم مقول على كثيرين مختلفين بالأعراض فى جواب ما هى
ولو كان ما وجد من أشخاصه فى الأعيان مختلفة بالصور الجوهرية ؛ لما كان المقول عليها نوعا لها ؛ وهو خلاف مذهبهم على ما عرف فى المواضع اللائقة به.
وعلى هذا : فلا يخفى وجه الكلام عليهم فى اختلاف المركبات الحيوانية ، والنباتية ، والمعدنية ، وغيرها.
__________________
ـ أما هو مختص بالكميات : كالشكل ، والانحناء ، والاستقامة ، ونحو ذلك.
ب ـ وإلى الفعليات ، والانفعاليات : كحرارة النار ، وحمرة الخجل ، وصفرة الوجل.
ج ـ وإلى القوة واللاقوة : كقوة الصّحاح والمرض.
د ـ وإلى الحال والملكة : فأما الحال : فكما نخجل ونوجل. وأما الملكة : فكالصحة للصحاح ، ونحو ذلك.
[المبين للآمدى ص ١١٢].
(١) الجسم : (عند الحكماء) جوهر قابل للأبعاد الثلاثة. وقيل الجسم : هو المركب المؤتلف من الجوهر.
والجسم التعليمى : هو الّذي يقبل الانقسام طولا وعرضا وعمقا. ونهايته السطح ، وهو نهاية الجسم الطبيعى ، ويسمى جسما تعليميا ؛ إذ يبحث عنه فى العلوم التعليمية : أى الرياضية : الباحثة عن أحوال الكم المتصل والمنفصل منسوبة إلى التعليم والرياضة ؛ فإنهم كانوا يبتدئون بها فى تعاليمهم ورياضتهم لنفوس الصبيان ؛ لأنها أسهل إدراكا» [التعريفات للجرجانى ص ٨٦ ، ٨٧].