الفصل الرابع
فيما يجب للأجسام من الصفات ، وما لا يجب
وإذ بينا أن كل جسم ؛ فلا بد وأن يكون متناهيا (١) ؛ فكل ما لا يخلو عنه الجسم المتناهى (١١) / / من الصفات بتقدير عدم الأسباب الخارجة / ؛ فهى من الصفات الواجبة لنفسه ، والجسم المتناهى لو قدر عدم جميع الأسباب الخارجة عنه ؛ فلا يخلو عن شكل : أى عن حدّ يحيط به ؛ فيكون كريا (٢) ، أو حدود ؛ فيكون مضلعا. وعن وضع : أى أن تكون لأجزائه نسبة بعضها إلى بعض ؛ وعن حيز (٣) ، وهو إما مكان ، أو بتقدير مكان. وأن يكون قائما بنفسه. وقابلا للأعراض ؛ ضرورة كونه جوهرا كما سبق (٤).
وأما آحاد الأشكال ، والأوضاع على سبيل التعيين ؛ فليس من الصفات الواجبة له. فإنه ما من واحد يفرض منها إلا ويجوز بتقدير عدمه مع بقاء الجسم بحاله ، وما هذا شأنه ؛ فلا يكون من الصفات الواجبة للجسم ولا يكون أيضا ثابتا لطبيعة الجسم ؛ لما بيناه فى الرد على الطبائعيين (٥) ؛ بل كل ما يكون من ذلك فإنما هو للجسم من الفاعل المختار (٦).
وقالت الفلاسفة : لا بد لكل جسم من شكل طبيعى وحيز طبيعى ، وكيفية طبيعية (٧) تكون له ، وإن زال عنه قسرا.
فعند زوال السبب القاسر يعود إلى مقتضى طبعه من الشكل ، والحيز ، والكيفية ؛ لكن ما كان من الأجسام بسيطا ؛ فشكله الطبيعى له كرى ؛ إذ القوة الواحدة فى البسيط لا يفعل غير المتشابه ، ولا متشابه من الأشكال غير الكريّ ، وما كان منها مركبا معتدلا فشكله الطبيعى ، لا يكون إلا مضلعا ، وإلا فشكله شكل الغالب من بسائطه.
__________________
(١) راجع ما سبق فى الفصل الثانى ل ٢١ / ب وما بعدها.
(١١)/ / أول ل ١٦ / ب من النسخة ب.
(٢) الكرة : هى جسم يحيط به سطح واحد ، فى وسطه نقطة ، جميع الخطوط الخارجة منها إليه سواء». [التعريفات للجرجانى ص ٢١٠].
(٣) عن الحيز : راجع ما مر فى النوع الأول ـ الفصل الثانى : فى معنى الحيز والمتحيز ، والتحيز ل ٢ / ب وما بعدها.
(٤) راجع ما مر فى النوع الأول ـ الفصل الأول : فى حقيقة الجوهر ومعناه ل ٢ / أ.
(٥) راجع ما مر فى القاعدة الرابعة : من الجزء الأول ـ الفرع الثالث : فى الرد على الطبائعيين ل ٢٢٠ / ب وما بعدها.
(٦) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى ل ٢١١ / ب وما بعدها.
(٧) وقد رد الآمدي على الفلاسفة بالتفصيل فى الفصل الخامس : فى إبطال قول الفلاسفة إنه ما من جسم إلا وفيه مبدأ حركة طبيعية ومناقضتهم فى ذلك. ل ٣٠ / أوما بعدها.