وأما الحيز الطبيعى (١) للبسائط من الأجسام فما كان منها علويا : كالسماوات ؛ فحيزها الطبيعى من حد فلك (٢) القمر إلى آخر العالم ، وما كان منها سفليا : كالعناصر ، فقد اختلفوا فيه : فمنهم من قال : إن الحيز الطبيعى لها بأجمعها إنما هو مركز العالم ، وأنها بأجمعها ثقيلة تطلب بطبائعها أقصى جهة السفل غير أنه لما كان بعضها أثقل من بعض سقط الثقيل لما هو أخف منه إلى فوق قسرا ، ولذلك كان التراب أسفل الكل ؛ إذ هو أثقلها ، ويليه الماء ، ويلى الماء ، الهواء ، والهواء ، النار ، إذ النّار أخف من الهواء ، والهواء من الماء ، والماء من الأرض.
ومنهم من قال : إن ما نشاهده من حركة كل واحد إلى حيّز من الأحياز إنما هو لطبيعته ، لا أنه مقسور على حركته إليه ، وأن الأرض والماء / ثقيلان.
إلا أن الأرض أثقل من الماء.
ولهذا كان الحيز الطبيعى للأرض هو المركز ، والحيز الطبيعى للماء ما فوق الأرض ، وتحت الهواء.
وأما الهواء ، والنار ، فهما الخفيفان ؛ إلا أن النار أخف من الهواء ، ولذلك كان الحيز الطبيعى للنار فوق الكل.
والحيز الطبيعى للهواء : تحت النار ، وفوق الماء ، وما تركب منهما فحيزه الطبيعى حيز الغالب منهما ، وإن تساوت ؛ فحيز المتوسط منهما.
وربما قال بعض الأوائل منهم : إن حركة الثقيل وهى الأرض ، وهويه إلى الوسط ، وسكونه فيه ليس لطبعه ؛ بل لالتفاف الحركات السماوية به والدفع المتشابه من كل جهة ، كما يفرض لحفنة من تراب إذا وضعت فى قنينة ، وأديرت على قطبين بحركة شديدة ، أن تصير فى الوسط ، ثم يليه الماء ثم الهواء ، ثم النار.
__________________
(١) الحيز الطبيعى : ما يقتضي الجسم بطبعه الحصول فيه.
والحيز عند المتكلمين : هو الفراغ المتوهم الّذي يشغله شيء ممتد : كالجسم ، أو غير ممتد : كالجوهر الفرد.
وعند الحكماء : هو السطح الباطن من الحاوى المماس للسطح الظاهرى من المحوى». [التعريفات للجرجانى ص ١٠٥ ، ١٠٦].
(٢) عرف الآمدي الفلك فقال : «وأما الفلك : فعبارة عن جرم كرى الشكل غير قابل للكون والفساد محيط بما فى عالم الكون والفساد. وأما على رأى الإسلاميين : فعبارة عن جرم كرى محيط بالعناصر». [المبين للآمدى ص ٩٩].