إذ لو لم يكن فيها قوة قبول الكون ، والفساد (١) ؛ لما كانت ولما فسدت. وبتقدير اجتماع قوتى القبول للكون والفساد فى البسيط الواحد [فلا يمتنع اجتماع قوتين فاعلتين فى البسيط الواحد (٢)] ولو سئلوا عن الفرق ؛ لم يجدوا إليه سبيلا.
ولئن قالوا : القوّة القابلة للكون ، هى القوة القابلة للفساد ؛ فلا تعدد.
قلنا : فيلزمهم على هذا أن يقولوا : بجواز فساد الأنفس الإنسانية (٣).
فإنهم إنما أحالوا ذلك على أن الأنفس الإنسانية لو قبلت الفساد ؛ لكان فيها قوة قبول الفساد ، وقد كان فيها قوة قبول الكون. والبسيط الواحد لا يجتمع فيه قوتان.
وذلك لا يتصور مع القول بأنّ القوة القابلة للكون هى القوة القابلة للفساد ثم إن كانت القوة القابلة للكون هى القوة القابلة للفساد.
قلنا : إما أن يكون ذلك ممكنا ، أو لا يكون ممكنا.
فإن كان الأول : فما المانع من فساد الأنفس الإنسانية.
وإن كان الثانى : فليمتنع القول بكون الصور الجوهرية وفسادها.
وإن سلمنا أن البسيط لا تقوم به إلا قوة واحدة ؛ فما المانع من فعلها ؛ لما ليس متشابها.
وما ذكروه : إنما يستقيم أن لو أمتنع تعليل الأمور المختلفة بعلة واحدة ؛ وهو غير مسلم (٤). ثم لو كان الشكل الطبيعى للبسيط كريّا ؛ لكان الشكل الطبيعى للأرض البسيطة
__________________
(١) الكون والفساد : عرف الآمدي الكون والفساد فى كتابه المبين ص ١٠٠ ، ١٠١ فقال أما الكون : فعبارة عن خروج شيء ما من العدم إلى الوجود دفعة واحدة لا يسيرا يسيرا.
وأما الفساد : فعبارة عن خروج شيء ما من الوجود إلى العدم دفعة واحدة لا يسيرا يسيرا.».
(٢) ساقط من أ.
(٣) عرف الآمدي النفس فقال : «وأما النفس : فعبارة عن كمال لكل جسم طبيعى من شأنه أن يفعل أفعال الحياة.
وهذا رسم النفس على وجه تشترك فيه النفس الفلكية والنباتية والحيوانية والإنسانية إن قلنا : إن ما لكل واحد من الأفلاك من الحركة تتم لا بمعاضدة غيره من الأفلاك له ، وإلا فالأنفس الفلكية خارجة عنه.
وإذ ذاك ينحصر الرسم المذكور فى النمو والتغذى والولادة ؛ فإن قيد بالإدراك والحركة الإرادية ؛ كان رسما للنفس الإنسانية.» [المبين فى شرح معانى ألفاظ الحكماء والمتكلمين ص ١٠١ ، ١٠٢].
(٤) انظر ما سيأتى فى الباب الثالث ـ الأصل الثانى ـ الفصل السادس : فى أن العلة الواحدة هل توجب حكمين مختلفين ، أم لا؟ ل ١٢٣ / أوما بعدها.