فإن كان الأول : فيلزم منه اعمال طبيعتين ، وتعطيل الطبيعتين الأخريين ؛ وليس ذلك أولى من العكس.
وإن كان الثانى : فقد صدرت المتماثلات عن المختلفات ،
وقولهم : إن الحيّز الطبيعى للعلويات من فلك (١) القمر إلى آخر العالم.
فنقول : الحيّز الطبيعى للجسم ، لا معنى له عندهم إلا ما لو قدّر زوال الجسم عنه قسرا ؛ لكان فى طباعه مبدأ ميل إليه. ولو لم يكن كذلك ؛ لما كان طبيعيا له.
فإذا فى الأفلاك مبدأ ميل إلى أحيازها بتقدير زوالها عنه قسرا ، والميل إلى الحيّز الطبيعى بتقدير الزوال عنه قسرا ؛ لا يكون إلا بحركة مستقيمة. إذ هى أقرب إلى مطلوبه. والحركة المستقيمة على الأفلاك عندهم محال ؛ لما سيأتى (٢). فلا يعقل الحيّز الطبيعى لها.
كيف وأنهم لو سئلوا عن اختصاص كل فلك بحيزه ـ طبعا مع اعترافهم بأنّ الأفلاك لا توصف بالحرارة والبرودة ، والرطوبة ، واليبوسة ، ولا بثقل ولا خفة ـ لم يجدوا إلى تحقيق ذلك سبيلا.
ولو قيل : ما المانع من كون كل فلك فى حيزه بمقتضى إرادته النفسانية ؛ إذ الأفلاك عندهم / ذوات أنفس مريدة ، وأنها ليست فيها بمقتضى الطبع ؛ لم يجدوا إلى دفعه مسلكا (٣).
وأما العناصر فمن قال منهم إن كل واحد منها له حيّز طبيعى ، وأن حيّز الأرض المركز ، وحيز النار فوق الكل ، والماء بين (١١) / / الأرض ، والهواء ، والهواء بين الماء ، والنار ؛ فمعارض باحتمال قول الآخرين أن كل واحد منها ثقيل يطلب بطبعه جهة المركز. غير أن ما كان منها أثقل يزحم الأخف ، ويرسب ، وما كان منها أخف ؛ فيطفو فوق الثقيل ؛ لمزاحمته له (٤).
__________________
(١) عرف الآمدي الفلك فقال : «وأما الفلك : فعبارة عن جرم كرى الشكل غير قابل للكون والفساد يحيط بما فى عالم الكون والفساد. وأما على رأى الإسلاميين : فعبارة عن جرم كرى محيط بالعناصر.» [المبين للآمدى ص ٩٩].
(٢) انظر ما سيأتى ل ٣١ / أوما بعدها.
(٣) انظر ما سيأتى فى الفصل السابع : فى إبطال قول الفلاسفة إن الأفلاك ذوات أنفس ، وأنها متحركة بالإرادة النفسية ل ٣٢ / أوما بعدها.
(١١)/ / أول ل ١٧ / ب من النسخة ب.
(٤) انظر ما سيأتى : ل ٣٠ / أوما بعدها.