فإن قالوا : لو كان كذلك ؛ لكان ما عظم من الزقوق المنفوخة أمنع لمزاحمة الماء لها مما صغر ؛ وكان طفو الأصغر ، أسرع من طفو الأكبر ، والأمر بالعكس ؛ فهو معارض باحتمال كثرة المزاحمة من الماء المقسور عن حيزه.
وأما قول من قال منهم : إنها بأجمعها ثقيلة تطلب بطبعها جهة السّفل ؛ فهو معارض باحتمال أن كلها خفيفة تطلب أقصى جهة فوق ؛ غير أنه لما كان البعض أخف من البعض ، سبق الأخف طافيا فوق الكل ، ورسب ما هو دونه فى الخفة.
وأما المذهب الثالث : القائل باندفاع الأرض إلى المركز بالحركة الفلكية القاسرة ، فباطلة من أربعة أوجه :
الأول : أنه لو كان كما ذكروه ؛ لكان اندفاع المدرة (١) الصغيرة ، أسرع من اندفاع الأثقال العظيمة ، لضعف مقاومتها.
الثانى : أنه لو كان كذلك ، لكانت حركة المندفع كلما بعدت عن الفلك المحرك لها أبطأ ؛ وليس كذلك.
الثالث : أنه لو كان كما ذكروه ؛ لما اختص ذلك بالثقيل دون غيره.
الرابع : أنه كان يلزم أن تكون الأرض متحركة دورا فى الوسط ؛ لحركة التراب فيما ذكروه من المثال ؛ وليس كذلك.
وأما المذهب الرابع : فباطل أيضا ؛ فإنه لو كان كما ذكروه ؛ لما أختص ذلك بالأرض دون غيرها ، ولكانت المدرة إذا رميت نحو السماء ، أو السهم أن لا يعود قهقرا نحو الأرض ؛ لقربه من بعض جهات الفلك دون البعض.
وأما ما ذكروه من اختصاص طبائع العناصر بالكيفيات المذكورة.
فلقائل أن يقول : لا نسلم أن النار يابسة ؛ على ما قررناه فيما تقدم.
وإن سلمنا ذلك ؛ ولكن لا نسلم أن هذه الكيفيات من مقتضى طباع العناصر.
وذلك أنا قد نشاهد الهواء ، والماء ، والتراب تارة باردا ، وتارة / حارا بطبعه
__________________
(١) المدر : جمع (مدرة) مثل قصب وقصبة وهو التّراب المتلبد قال الأزهرى (المدر) قطع الطين وبعضهم يقول الطين العلك الّذي لا يخالطه رمل [المصباح المنير ـ كتاب الميم ٢ / ٥٦٦].