ومنهم من قال : أصول المركبات هى السّطوح ؛ لأن التركيب إنما يكون بالالتقاء والتماس. وأول ما يكون ذلك بين السطوح المستقيمة لئلا تفضى إلى الخلاء فى المركبات. ولا كل سطوح مستقيم ؛ بل ما هو الأبسط منها ؛ وهو المثلث.
واعلم أن هذه الأقاويل كلها مبنية على إمكان وقوع الاختلاف بين الأجسام بالصور ، والطبائع الجوهرية ؛ وقد أبطلناه فيما تقدم (١) وبتقدير التسليم فهى أقوال متعارضة ، ودعاوى متقاومة ليس فيها ما يفيد للناظر أصلا لظن ؛ فضلا عن اليقين.
وظهور فسادها يغنى عن إبطالها. على أنا نقول :
أما قول من زعم أن أصل العناصر : هو النار لبساطتها ، وشدة حرارتها (٢) ؛ فليس هو أولى من الأرض التى عند المركز ؛ فإنها عندهم فى غاية البساطة ، وشدة البرد. وكما أن الكائنات مفتقرة إلى الحرارة ، فهى مفتقرة إلى البرودة (٣).
وأما قول من قال : هو الهواء لرطوبته (٤) ؛ فليس أولى من الأرض ليبوستها. وكما أن الحاجة داعية إلى الرطوبة ؛ للانفعال ؛ فداعية إلى اليبس (٥) للحفظ.
وأما قول من قال : هى الأرض : فإنما يلزم تعليله ، أن لو كان كل كائن أرضى ؛ وليس كذلك.
وأما قول من قال : هو البخار لتوسطه بين الأجسام المتخلخلة ، والمتكاثفة ؛ فليس أولى من الهواء ؛ لتوسطه بين الأجسام الحارة ، والباردة.
وأما قول من قال : أصل العناصر : هو النار ، والأرض ؛ لمبالغة أحدهما فى الخفة ، والآخر فى الثقل ؛ فليس أولى من الماء ، والنار ؛ لمبالغة أحدهما فى الحرارة ، والآخر فى البرودة ؛ بل أولى لكون ما وقعت المبالغة فيه فيهما هو أوائل ، للكيفيات الملموسة ، بخلاف الثقل والخفة.
__________________
(١) راجع ما تقدم فى الفصل الثالث : فى تجانس الأجسام ل ٢٥ / ب وما بعدها.
(٢) ـ (٥) عرف الآمدي الحرارة ، والبرودة ، والرطوبة واليبوسة فقال أما الحرارة فهى ما كان من الكيفيات يفرق بين المختلفات ، ويجمع بين المتشاكلات.
وأما البرودة : فما كان من الكيفيات يجمع بين غير المتشاكلات ويفرق المتشاكلات».
«وأما الرطوبة : فما كان من الكيفيات مما يسهل قبول الجسم للانحصار والتشكل بشكل غيره وكذا تركه».
«وأما اليبوسة : فمقابلة للرطوبة».
[المبين فى شرح معانى ألفاظ الحكماء والمتكلمين لسيف الدين الآمدي ص ٩٩ ، ١٠٠].