الفصل العاشر
فى أقوال الفلاسفة فى كون العناصر
وفسادها ، واستحالتها ، ومناقضتهم فى ذلك
وقبل الخوض فى تفصيل المذاهب ، والرد ، والإبطال لا بد من تحصيل مفهوم الكون ، والفساد ، والاستحالة على أصولهم.
أما الكون (١) : فهو استبدال حال الشيء من العدم إلى الوجود دفعة واحدة ، والاستبدال من الوجود إلى (١١) / / العدم دفعة واحدة هو الفساد (٢)
وأما الاستحالة (٣) : فتبدل حالة مادّة بأخرى يسيرا لا دفعة واحدة : كالتسخين بعد البرد ، أو التبرد بعد السخونة.
وإذا عرف ذلك فقد اختلفوا :
فمنهم من قال : العناصر لا تكون ، ولا تفسد ، ولا تستحيل. وما يرى من ذلك ؛ ليس كونا ، واستحالة ، بل ظهور كامن ؛ أو كمون ظاهر.
وذلك أنه ليس فى العناصر ما هو بسيط مطلقا ، وإن كان الغالب فيه ما سمى باسمه.
فاذا تفرقت أجزاء الغالب بسبب من الأسباب ، أو اتصل بالمغلوب ما هو من نوعه بسبب من الأسباب ؛ ظهر ما كان مغلوبا ، وخفى ما كان غالبا ؛ فظن أنه كون ، لما كان مغلوبا ، وفساد لما كان غالبا ، واستحالة ، وليس كذلك.
ومنهم من قال : بالكون ، دون الاستحالة.
ومنهم من قال بالعكس.
__________________
(١) الكون : اسم لما حدث دفعة (وليس تدريجا) كانقلاب الماء هواء ، فإن الصورة الهوائية كانت ماء بالقوة ؛ فخرجت منها إلى الفعل دفعة فإذا كان على التدريج ؛ فهو الحركة.
وقيل الكون : حصول الصورة فى المادة بعد أن لم تكن حاصلة فيها.
وعند أهل التحقيق : الكون عبارة عن وجود العالم من حيث هو عالم ، لا من حيث أنه حق. وإن كان مرادفا للوجود المطلق العام عند أهل النظر وهو بمعنى المكون عندهم. [التعريفات للجرجانى ص ٢١٤].
(١١)/ / أول ل ٢٠ / ب.
(٢) الفساد : زوال الصورة عن المادة بعد أن كانت حاصلة [التعريفات للجرجانى ص ١٨٩].
(٣) الاستحالة : حركة فى الكيف. كتسخن الماء وتبرده ، مع بقاء صورته النوعية. [التعريفات ص ٢٧].