الفصل الثالث عشر
فى مناقضات الفلاسفة فى الدلالة
على امتناع وجود عالم آخر وراء هذا العالم (١)
قالت الفلاسفة لو قدر وراء كرة العالم الذي نحن فيه كرة عالم آخر : فإما أن يكون بين الكرتين خلاء ، أو ملاء.
لا جائز أن يقال : بالأول ؛ لما يأتى فى بيان امتناع وجود الخلاء (٢)
وإن كان / الثانى فلا بد وأن يكون الكل محاطا بمحدد واحد للجهة الفوقية ؛ لما سبق تحقيقه فى الأجسام المتناهية ؛ ولا بد له من مركز ؛ وهو نقطة ملتقى العالمين ، أو ما بينهما.
وعند ذلك : فإن كان كل جسم من الأجسام الموجودة تحت المحيط فى حيزه الطبيعى ؛ فيلزم أن يكون كل واحد منهما له حيزان طبيعيان تحت محدد واحد ، وهو محال ؛ لما تقدم (٣).
وإن لم يكن طبيعيا : فهو مقسور عن مكانه الطبيعى له وليس شيء من الأجسام يقوى على قسر الأرض عن حركتها إلى الوسط ؛ إذ هى الثقيل المطلق كما سبق (٤).
__________________
(١) لمزيد من البحث والدراسة انظر المواقف للإيجي ص ٢٥٦ : المقصد الثامن : قال الحكماء : الخ وانظر شرح المواقف للجرجانى ٧ / ٢٥٠. المقصد الثامن : جواز وجود عالم آخر. جوز المتكلمون وجود عالم آخر مماثل لهذا العالم ؛ لأن الأمور المتماثلة تتشارك فى الأحكام. وإليه الإشارة فى الكلام المجيد (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) [يس : ٨١].
(٢) الخلاء : هو البعد المفطور عند أفلاطون ؛ والفضاء الموهوم عند المتكلمين : أى الفضاء الّذي يثبته الوهم ، ويدركه من الجسم المحيط بجسم آخر : كالفضاء المشغول بالماء ، أو الهواء فى داخل الكوز. فهذا الفراغ الموهوم هو الّذي من شأنه أن يحصل فيه الجسم ، وأن يكون ظرفا له عندهم.
وبهذا الاعتبار يجعلونه حيزا للجسم ، وباعتبار فراغه عن شغل الجسم إياه يجعلونه خلاء.
فالخلاء عندهم هو هذا الفراغ مع قيد أن لا يشغله شاغل من الأجسام ؛ فيكون لا شيئا محضا ؛ لأن الفراغ الموهوم ؛ ليس بموجود فى الخارج ؛ بل هو أمر موهوم عندهم ؛ إذ لو وجد ؛ لكان بعد مفطورا ؛ وهم لا يقولون به.
والحكماء ذاهبون إلى امتناع الخلاء. والمتكلمون إلى إمكانه.
[التعريفات للجرجانى ص ١١٢ ، ١١٣].
(٣) راجع ما مر ل ٣٠ / أ.
(٤) راجع ما مر ل ٣٨ / ب.