الفرع الأول : فى إثبات الأعراض (١)
وقبل الخوض فى الحجاج لا بد من تحصيل مفهوم العرض ، وتحقيق معناه إذ الاصطلاحات فيه مختلفة.
أما فى اصطلاح أهل اللغة : فالعرض عندهم عبارة عن كل أمر نظرى (١١) / / ويكون زواله عن قرب ، ومنه تسميتهم الأمراض الغير لازمة أعراضا ، وإليه الإشارة بقوله ـ تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) (٢) سمى الدنيا عرضا لسرعة زوالها [وانتقالها] (٣) وقوله ـ تعالى ـ حكاية عن عاد فى تسميتهم السحاب الّذي أظلهم عارضا حيث ظنوا زواله عن قرب كغيره من السحب فقالوا : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) (٤).
وأما فى اصطلاح النظار :
فقد قالت الفلاسفة : العرض (٥) هو الموجود فى موضوع. وقد بينا / فيما تقدم أنهم أرادوا بالموضوع المحل المتقوم ذاتا ، المقوّم لما حل فيه ؛ احترازا عن قيام الصورة الجوهرية بالمادة ؛ إذ المادة عندهم ليست موضوعا للصورة ، بل محلا لها.
وعند هذا : إما أن يريدوا بقولهم : الموضوع هو المحل المتقوم ذاته أنه لا يفتقر فى وجوده إلى شيء أصلا ، أو أنه لا يفتقر فى وجوده إلى محل يقوم فيه ، أو أنه لا يفتقر إلى ما حل فيه ، أو معنى آخر.
فإن كان الأول : فهو باطل ، فإن الجوهر موضوع للعرض عندهم. ومع هذا فإنه يفتقر إلى السبب الفاعل ضرورة كونه ممكنا.
__________________
(١) لمزيد من البحث والدراسة : راجع مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى من ص ٤٦ ـ ٥١.
وانظر : الشامل فى أصول الدين لإمام الحرمين الجوينى ص ١٦٦ وما بعدها. القول فى إثبات العرض.
والتمهيد للإمام الباقلانى ص ٤٢ ـ ٤٤ ، وأصول الدين للبغدادى ص ٣٦ ـ ٣٨.
والمواقف للإيجي ص ٩٦ ـ ٩٩ وشرح المواقف للجرجانى ٥ / ٨ وما بعدها.
وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٨ وما بعدها. ومن كتب المعتزلة : انظر شرح الأصول الخمسة ص ٩٢ وما بعدها.
(١١)/ / أول ل ٢١ / ب.
(٢) سورة الأنفال ٨ / ٦٧.
(٣) ساقط من أ.
(٤) سورة الأحقاف ٤٦ / ٢٤.
(٥) قال الآمدي : «وأما العرض : فعبارة عن الموجود فى موضوع». (المبين ص ١١٠).
«وأما موضوع العرض : فهو عبارة عن المحل المقوم بذاته لما يحل فيه. وسواء كان ذلك المحل جوهرا : كالجسم بالنسبة إلى الحركة ، أو عرضا : كالحركة بالنسبة إلى السرعة والبطء» (المبين ص ٧٥ ، ٧٦).