الفصل الأول
فى تحقيق معنى الكون والكائنية
وقد أختلف فى ذلك ؛ والّذي عليه اتفاق معظم أصحابنا (١) : أن اسم الكون مختص بما أوجب اختصاص الجوهر بمكان ، أو بتقدير مكان ؛ وهو غير خارج عن الحركة ، والسكون ، والاجتماع ، والافتراق ، ولهم فى المماسة خلاف على ما سيأتى (٢).
وأن اسم الكائنية : مختص بنفس اختصاص / الجوهر بمكان أو بتقدير مكان : فالكون هو الموجب لاختصاص الجوهر بالحيّز.
والكائنية : نفس الاختصاص بالحيّز. وهو المكان ، أو تقدير المكان ؛ وهو جائز على وفق الوضع اللغوى.
ومنه قول العرب : كان زيد فى الدار ، وهو كائن فيها. والمراد به اختصاصه بها ، وحصوله فيها.
وذهب الأستاذ أبو إسحاق ، ومتبعوه : إلى أن كل عرض أختص بمحل : فهو كائن فيه ؛ لأنه لا بد له من كون يخصصه بمحله ، كما فى اختصاص الجواهر بأماكنها.
لكنّه قال : كون كل عرض ، هو نفسه ؛ لا زائد عليه ، حذرا من قيام المعنى بالمعنى ؛ بخلاف أكوان الجواهر ؛ فإنها زائدة عليها.
وذهب بعض متأخرى المعتزلة : وقد قيل إنه ابن الجبائى (٣) إلى أن الكون الموجب لاختصاص الجوهر بحيّز دون حيّز ؛ مغاير للحركة ، والسكون ، والاجتماع ، والافتراق. محتجا على ذلك بأنا لو فرضنا أن الله ـ تعالى ـ خلق جوهرا فردا ، ولم يخلق معه جوهرا آخر ؛ فإنه فى أول زمان حدوثه ؛ له كون وليس بمتحرك ؛ لأن الحركة إنما تكون بالانتقال من مكان إلى مكان ؛ وهو غير منتقل.
__________________
(١) انظر الشامل لإمام الحرمين الجوينى ص ١٨٨ وما بعدها.
(٢) انظر ما سيأتى فى الفصل السابع ل ٥٥ / أوما بعدها.
(٣) المقصود به : أبو هاشم راجع ترجمته فى الجزء الأول فى هامش ل ١١ / ب.