الفصل الثانى
فى بيان وجود المكان (١)
أجمع العقلاء على وجود المكان ؛ خلافا لطائفة من قدماء الفلاسفة فإنهم أنكروا وجود المكان ، وانكارهم يقارب جحد الضرورة وما هو المستقر فى الأذهان والعقول من الحكم بأن كذا فى مكان كذا ويدل عليه أمران :
الأول : أنا قد نشاهد بعض الأجسام فى بعض الأوانى وزواله عنه ، وتعاقب آخر له فيه.
ونعلم ضرورة أن الجسم الثانى قد حل فى مكان الأول حالا فيه ، وليس ذلك المحل من ذاتيات أحد الجسمين ، ولا عرضياته اللازمة ، وإلا لما تصور فيه الاستبدال
/ فإذن هو أمر خارج ؛ وهو المعنى بالمكان (٢).
الثانى : هو أنا قد نشاهد حركة الجسم ، وانتقاله من جهة إلى جهة أخرى ، وذلك لا يتصور إلا بالانتقال من شيء إلى شيء وليس ما عنه الانتقال ، وإليه من الصفات الذاتية والعرضية اللازمة.
إذ لا انتقال عنها ؛ فما عنه الانتقال وإليه ؛ هو المعنى بالمكان.
فإن قيل : الحركة (٣) والانتقال لا تتوقف على المكان لوجهين :
__________________
(١) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما أورده الآمدي هاهنا :
انظر مقالات الإسلاميين للأشعرى ٢ / ١١٦.
والشامل فى أصول الدين للجوينى ص ٤٤٤ وما بعدها.
والمواقف للإيجي ص ١١٣ ـ ١٢٠ وشرح المواقف للجرجانى ٥ / ١١٥ ـ ١٦٢.
المقصد التاسع : المكان وهو من الكم المتصل.
وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٥٢ ـ ٦٤ المبحث الثالث : فى المكان.
وشرح مطالع الأنظار للأصفهانى ص ٨١ ـ ٨٥ المبحث الخامس : فى المكان.
(٢) المكان : عرفه الآمدي فقال : «وأما المكان : فعبارة عن السطح الباطن من الجرم الحاوى المماس للسطح الظاهر من الجرم المحوى. كالسطح الباطن من الكوز المماس للسطح الظاهر من الماء الموضوع فيه».
[المبين للآمدى ص ٩٦].
(٣) الحركة : عرف الآمدي الحركة فقال : «وأما الحركة : فعبارة عن كمال بالفعل لما هو بالقوة من جهة ما هو بالقوة ؛ لا من كل وجه ؛ وذلك كما فى الانتقال من مكان إلى مكان ، والاستحالة من كيفية إلى كيفية».
«وأما السكون : فعبارة عن عدم الحركة فيما من شأنه أن تكون فيه تلك الحركة» [المبين للآمدى ص ٩٥].