الفصل التاسع
فى اختلاف الأكوان وتماثلها ، وتضادها
وأعلم أن من لم يثبت المماسة ، كونا دائما بالجوهر [مغايرا للكون المخصّص للجوهر بحيزه (١)] : كالقاضى أبى بكر ومن نصر مذهبه ؛ أطلق القول بتضاد كل لونين (٢).
وذلك لأن كل كونين : إما أن يوجبا تخصيص الجوهر بحيّز واحد ، أو أن كل واحد منهما يوجب التخصيص بحيّز غير الحيّز الآخر
فإن كان الأول : فهما متماثلان ، والمتماثلان ضدّان ؛ ولا يتصور اجتماعهما ، بل وجودهما فى الجوهر لا يكون إلا بجهة التعاقب عليه ، كما إذا كان مستقرا فى حيز أكثر من زمان ؛ فالكون المتجدّد فى الزمان الثانى ؛ يكون مثلا للكون الموجود فى الزمان الأول ؛ لقيام كل واحد منهما مقام الآخر فى تخصيص الجوهر بذلك الحيّز.
وإن كان الثانى : فقد اختلف المتكلمون فيه.
فمنهم من قال : بتماثلهما ؛ لتماثل الحيّزين.
ومنهم من قال : باختلافهما ؛ لاستحالة قيام أحدهما مقام الآخر ؛ وهو الحق.
وعلى كل تقدير ؛ فهما ضدان (٣) لا يجتمعان.
فإنهما لو اجتمعا فى جوهر واحد : فإما أن يثبت تخصيص كل واحد منهما ، أو تخصيص أحدهما دون الآخر ، أو لا يثبت تخصيص واحد منهما.
فإن كان الأول : لزم كون الجوهر الواحد فى حيّزين معا. وهو محال.
وإن كان الثانى : فليس أحدهما أولى من الآخر.
__________________
(١) ساقط من أ.
(٢) قارن بما ورد فى الشامل فى أصول الدين للجوينى ص ٤٦٢.
(٣) الضدان : صفتان وجوديتان يتعاقبان فى موضع واحد ، يستحيل اجتماعهما كالسواد والبياض ، والفرق بين الضدين والنقيضين : أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان : كالعدم والوجود ، والضدين لا يجتمعان ؛ ولكن يرتفعان : كالسواد والبياض. [التعريفات للجرجانى ص ١٥٥].