ولهذا فإن من سدّد شعاعه فى جهة نظره ؛ فإنه يرى الشيء على ما هو عليه.
ولو ميل الشعاع إلى مؤخر أمامه ؛ فإنه يرى الشيء الواحد شيئين ، وإن كان الشيء المدرك لا اختلاف فيه أو أن يكون ما يجده من التفرقة بالنظر واللمس ، راجعا إلى اختلاف محاذيات الجوهر المدرك بالنظر واللمس ، وهذا قادح على أصول المعتزلة ، ولا محيص عنه.
وأما حجة أبى هاشم : وإن كانت لازمة على أبيه ؛ فغير لازمة على أصولنا ؛ لجواز أن يدرك المدرك أمرين ؛ ولا يدرك التفرقة بينهما.
الاختلاف الرابع :
ذهب الحبائى (١) : إلى أن الكون فى حالة عدمه يتصف بالحركة والسكون ؛ لأنه أخص وصف / الكون ذلك ، وأخص وصف الشيء ؛ يلزمه وجودا ، أو عدما.
وخالفه أبو هاشم فى ذلك : وقال : الحركة لا معنى لها إلا كون الجوهر فى مكان ؛ بعد أن كان فى غيره.
وذلك لا يتحقق دون قيام الكون بمحله ؛ وذلك لا يكون إلا فى حالة الوجود.
وإذا تقرر ذلك فى الحركة ؛ لزم مثله فى السكون ؛ لأن كل حركة سكون كما تقدم (٢).
وأعلم أن هذه التفاريع ؛ مبنية على كون المعدوم شيئا ، وبطلانها بطلانه ؛ كما يأتى (٣) :
ثم لقائل أن يقول : مع تسليم كون المعدوم الممكن شيئا.
أما على ما ذهب إليه الجبائى ؛ ما المانع أن يكون اتصاف الكون بالحركة ، والسكون مشروطا بالوجود ، كما قلت فى تحيّز الجوهر.
__________________
(١) قارن بما ورد فى الشامل للجوينى ص ٤٨٥ فقد ذكر رأى الجبائى بالتفصيل فقال : «ومما اختلفا فيه : أن الحركة والسكون فى العدم هل يتصفان بصفة الحركة وسمة السكون : فالذى صار إليه الجبائى إطلاق القول بذلك طردا لقياسه فى تجنيس جملة الأعراض فى العدم ، ومنع أبو هاشم ذلك الخ».
(٢) راجع ما مر فى الفصل الخامس : فى تحقيق معنى الحركة والسكون ل ٥٣ / ب وما بعدها.
(٣) انظر ما سيأتى فى الباب الثانى ـ الفصل الرابع : فى أن المعدوم هل هو شيء وذاته ثابتة فى حالة العدم أم لا؟
ل ١٠٨ / ب وما بعدها.