ولو قيل له : ما الفرق بين البابين ؛ لم يجد إليه سبيلا.
وأما على ما ذهب إليه أبو هاشم (١).
فإنه لو قيل : إذا كانت الحركة والسكون من أخص وصف الكون ؛ كما أن قيام الجوهر بنفسه من أخصّ وصف الجوهر ؛
فما الفرق بين الأمرين ، حتى أنك أوجبت كون الجوهر قائما بنفسه فى العدم ، ولم توجب اتصاف الكون بالحركة والسكون فى حالة العدم ولم ألحقت الحركة والسكون ، بالتحيّز للجوهر دون قيامه بنفسه ، واستغنائه عن محلّ يقوم به ، لم يجد إلى دفعه سبيلا.
الاختلاف الخامس : (٢)
ذهب الجبائى إلى أن التأليف يدرك بحاسة البصر واللمس ، محتجا على ذلك بما ندركه من التفرقة بين الأشكال المختلفة باللمس ، والبصر ، وتمييز بعضها عن بعض ، وليس ذلك إلا بالنظر إلى التأليفات المختلفة ؛ فدل على أنها مدركة باللمس ، والبصر.
وذهب أبو هاشم فى آخر أقواله : إلى مخالفة أبيه فى ذلك ؛ محتجا عليه بأنه لو أدرك اللامس والمبصر ، تأليف الصفحة العليا من الجسم ؛ لأدرك تأليف الصفحة التى تحتها ؛ ضرورة قيام تأليف واحد لكل حيّزين من الصفحتين ؛ فلو رأى قيامه بالصفحة العليا ؛ لرأى قائما بالصفحة التى تحتها ؛ ضرورة اتحاده ، والحجتان مدخولتان.
أما حجة الجبائى : فلقائل أن يقول : وما المانع من أن يكون ما ندركه من التفرقة عائدا إلى اختلاف أجزاء الجوهر المرئى ، أو إلى اختلاف المجاورات المولدة للتأليف ؛ لا إلى نفس التأليف ؛ ولا محيص عنه.
وأما حجة أبى هاشم : فلقائل أن يقول عليها :
إذا جوزت قيام تأليف واحد بجوهرين ،
فما المانع من انقسامه إدراكا بحيث يكون مدركا من جهة قيامه بأحد الجوهرين ؛ دون الآخر.
__________________
(١) قارن بما ورد فى الشامل للجوينى ص ٤٨٥ ، ٤٨٦.
(٢) قارن بما ورد فى الشامل للجوينى ص ٤٨٣ ، ٤٨٤. وانظر المواقف للإيجي ص ١٦٧ وشرح المواقف للجرجانى ٦ / ١٩٦.