الفصل الأول
فى حقيقة الجوهر ومعناه (١)
وقد اختلفت العبارات فيه :
فقالت الفلاسفة : الجوهر هو الموجود لا فى موضوع. وعنو بالموضوع ما أشرنا إليه فى المقدمة. ويلزم عليه أن يكون الرب ـ تعالى ـ جوهرا ؛ إذ هو غير موجود فى موضوع على ما ذكروه ؛ وهو محال ؛ لما تقدم فى إبطال التشبيه (٢).
فإن قيل : الجوهر هو الّذي له ماهية ، ووجود زائد على ماهيته ، إذا وجد كان وجوده لا فى موضوع. والربّ ـ تعالى ـ ليس له وجود زائد على ماهيته ؛ بل وجوده ذاته ، وذاته وجوده ؛ فلا يدخل تحت الحد المذكور (٣).
فنقول : هذا وإن أومأ إليه أفضل متأخريهم (٤) ؛ فمبنى على أن وجود الجوهر زائد على ماهيته ؛ وقد أبطلناه فيما تقدم (٥) ؛ وسيأتى له مزيد تقرير فى مسألة المعدوم (٦).
وقالت النصارى : الجوهر هو الموجود القائم بنفسه.
__________________
(١) لمزيد من البحث والدراسة انظر مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ؛ فقد اهتم بهذا الموضوع وخصص له صفحات من كتابه : من ص ٨ ـ ١٣ من الجزء الثانى
ففى الفقرة ٢ قال : اختلف الناس فى الجوهر وفى معناه على أربعة أقاويل : ص ٨.
وفى الفقرة ٣ قال : اختلفوا فى الجواهر هل كلها أجسام؟ على ثلاثة أقاويل : ص ٩.
وفى الفقرة ٤ قال : اختلف الناس : هل الجواهر جنس واحد؟ وهل جوهر العالم جوهر واحد؟ على سبعة أقاويل.
ص ٩ ـ ١٠.
وفى الفقرة ٥ قال : اختلفوا فى الجواهر : هل يجوز على جميعها ما يجوز على بعضها؟ وهل يجوز وجودها ولا أعراض فيها ، أم يستحيل ذلك؟ على خمسة أقاويل ص ١٠ ـ ١٣.
(٢) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع الرابع : فى إبطال التشبيه وما لا يجوز على الله ـ تعالى ـ ل ١٤٢ / أوما بعدها.
(٣) راجع ما مر فى الجزء الأول : المسألة الأولى : فى أنه ليس بجوهر ل ١٤٤ / أوما بعدها ؛ فقد وضح فى هذه المسألة رأى أهل الحق ورد على المخالفين بالتفصيل.
(٤) هو ابن سينا وقد صرح باسمه فى ل ١٤٢ / أفقال : «وربما تحاشى بعض الحذاق من الفلاسفة : كابن سينا وغيره من إطلاق اسم الجوهر على الله تعالى».
(٥) انظر ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع الرابع ل ١٤٢ / أوما بعدها.
(٦) انظر ما سيأتى فى الباب الثانى فى المعدوم وأحكامه ل / ١٠٦ / ب وما بعدها.