الفصل الأول
فى تحقيق معنى الثقل والخفة (١)
أما أصحابنا فقد اختلفوا
فمنهم من قال : الثقل ليس عرضا زائدا على نفس الجواهر ؛ بل ثقل الجوهر لنفسه وذاته.
وأن كل جوهر ثقيل ، ولا يتصور / التفاوت بين الجواهر الفردة فى الثقل.
وأن ما يجده من التفاوت فى الثقل بين الأجسام المركبة ؛ فعائدة إلى كثرة أجزاء الثقيل ، وقلتها فى الخفيف ، وهو اختيار الأستاذ أبى إسحاق فى أكثر أقواله.
ومنهم من صار إلى أن الثقل والخفة من الأعراض الزائدة على نفس الجوهر : كالقاضى أبى (٢) بكر ، ومن نصر مذهبه ؛ وهو مذهب المعتزلة والفلاسفة ، وهو الأظهر ، وحجّته أنا لو ملأنا إناء معينا ماء وضبطنا وزنه ثم فرغنا الاناء ، وملأناه زئبقا. فإما أن نجد زيادة الزئبق على الماء فى الثقل بأضعاف كثيرة ربما تزيد على عشرين مرة مع تساوى أجزائها عددا ؛ ضرورة اتحاد الحاصر لهما ولو تساوت أعداد الجواهر فى الثقل ؛ لما كان كذلك.
فعلم أن الثقل والخفة من الأعراض الزائدة على نفس الجوهر.
فإن قيل : ما نجده من التفاوت بين الماء والزئبق فى الثقل والخفة ، إنما هو راجع إلى كثرة أجزاء الزئبق ، وقلتها فى الماء ؛ بسبب انضمام أجزاء الزئبق وتراصها ، وتخلخل (٣) أجزاء الماء وانفراج بعضها عن بعض ؛ ويدل على ذلك : أنه لو وجد الماء ؛ فإنه ينحط عن فم الإناء بسبب اكتنازه وتضام أجزائه بعضها إلى بعض.
__________________
(١) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة لما ورد هاهنا :
انظر مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين للإمام الأشعرى ٢ / ١٠٥ ، ١٠٦ والشامل في أصول الدين للجوينى ص ٤٩٠ وما بعدها.
وشرح مطالع الأنظار للأصفهانى ص ٨٧ ، ٨٨.
(٢) انظر الشامل فى أصول الدين للجوينى ص ٤٩٠.
(٣) التخلخل : ازدياد حجم من غير أن ينضم إليه شيء من خارج وهو ضد التكاتف [التعريفات للجرجانى ص ٦٣].