الفصل الثالث
فى أن الجوهر غير مركب من الأعراض (١)
مذهب الأشاعرة وغيرهم من أهل الحق : أن الجوهر غير مركب من الأعراض خلافا للنظام (٢) ، والنجار (٣) من المعتزلة. فإنهما قالا : الجوهر أعراض مجتمعة.
وقد احتج أهل الحق بمسالك ضعيفة :
المسلك الأول : أنهم قالوا : الأعراض التى عن اجتماعها يكون الجوهر إما أن تكون متماثلة ، أو مختلفة.
فإن كانت متماثلة : فهو باطل من وجهين :
الأول : أن الحكم الّذي لا يثبت بالشيء الواحد لا يثبت بأمثاله ، والجوهر لا يثبت بالعرض الواحد منها ؛ فلا يثبت بأمثاله.
ويدلّ عليه أنّ الحياة الواحدة لما لم توجب حكم العالمية ؛ لم يكن ذلك واجبا عن جمل من الحياة.
الثانى : أنه ليس بعض أعداد المتماثلات ؛ أولى بايجاب ذلك الحكم من البعض الآخر.
وإن كانت الأعراض مختلفة : فإما متضادة ، أو غير متضادة :
فان كانت متضادة ؛ فهو محال ؛ لأن حكم الضدين لا يجتمع فى الجوهر الواحد ضرورة. وإن كانت غير متضادة : فإما أن يقال بجواز بطلان صفات أجناسها وانقلاب أعينها ، أو لا يقال بذلك.
فإن كان الأول : لزم منه جواز انقلاب الحقائق ؛ إذ يصير السواد بياضا وحركة بالعكس ؛ ولم يقل به قائل من المحصلين.
__________________
(١) قارن بما ورد فى الشامل لإمام الحرمين الجوينى ص ١٤٨.
(٢) سبقت ترجمته فى هامش ل ٦٤ / ب فى الجزء الأول. أما عن آرائه فانظر ما سيأتى ل ٢٤٤ / ب من الجزء الثانى.
(٣) سبقت ترجمته فى هامش ل ٦٤ / ب فى الجزء الأول. أما عن آرائه فانظر ما سيأتى ل ٢٥٥ / ب من الجزء الثانى.