وبتقدير تسليم حدوث ما أشير إليه من الصفات ؛ فلا يلزم أن تكون الأجسام ، والجواهر حادثة ، لجواز أن تكون هذه الصفات متعاقبة عليها إلى غير النهاية إلا بالالتفات إلى ما سبق من بيان امتناع حوادث متعاقبة لا أول لها تنتهى إليه (١).
المسلك الثالث (٢) :
فى بيان حدوث العالم :
أنه لو كان الجسم أزليا ؛ لكان فى الأزل حاصلا فى حيز معين : أى بحيث يمكن أن يشار إليه بأنه هاهنا ، دون هاهنا ؛ وهو معلوم بالضرورة ولو كان حصوله فى الحيز المعين أزليا ؛ لما تصور زواله عنه ؛ لأن الأزلى لا يزول على ما يأتى تقريره.
ولو كان كذلك : لامتنع عليه الحركة. والحركة غير ممتنعة على الجسم لوجهين :
الأول : أن كل جسم يفرض : إما أن يكون مركبا ، أو بسيطا وعلى كل تقدير فلا بد فيه من جزء بسيط متحد الطبيعة ؛ وذلك الجزء له جانبان ضرورة ، وكل واحد من الجانبين مساو في طبيعته للآخر ، وإلا كان مركبا ، وهو / خلاف الفرض.
ويلزم من ذلك أن يصح على كل واحد من الجانبين ، ما يصح على الآخر من الملاقاة وإنما يتصور ذلك بالحركة حتى يصير ما كان ملاقيا له من جهة اليمنة ، ملاقيا له من جهة اليسرة.
فإذن الحركة جائزة على كل جسم.
الوجه الثانى : أن الأجسام منقسمة : إلى علوية ، وسفلية والخصم فقد أوجب الحركة على العلوية ، وجوزها على السفلية وعلى كل واحد من التقديرين : فالحركة غير ممتنعة على الجسم.
__________________
(١) إلى هنا انتهى ما نقله ابن تيمية فى كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٣ / ٣٥١ ـ ٣٥٤).
(٢) سماه ابن يتيمة مسلك الحيز المعين فقال : «الثالث : مسلك الحيز. المعين» [درء التعارض ٣ / ٤٤٨].